«التأمين الصحى» هنا الفساد فوق القانون

«لا تستر على فساد ولا تهاون مع فاسدين».. عبارة رددها رئيس الحكومة فى أكثر من مناسبة، وأعلنها رئيس الدولة فى أكثر من احتفالية، لكن يبدو أن تلك الجملة للاستهلاك الإعلامى، لتتصدر عناوين الصحف، بينما الفساد لا يزال قائما يطل بوجهه القبيح، ويخرج لسانه متحديا الجميع.
بعد شهر من نشر «المصرى اليوم» وقائع فساد مالى وإدارى بالهيئة العامة للتأمين الصحى، موثقة بالمستندات، تشير إلى تورط مسؤولين بالهيئة فى تسهيل الاستيلاء على ما يقرب من 88 مليون جنيه، بسبب إبرام الهيئة تعاقدا مع «أكاديمية» وهمية لمنح خريجى الدبلومات الفنية شهادات علمية، لم يفعل الدكتور عادل عدوى، وزير الصحة، شيئا سوى تحويل الأمر برمته إلى إدارة الشؤون القانونية بالهيئة، على الرغم من كونها طرفا أصيلا فى القضية.
«المصرى اليوم» تكشف فى السطور التالية تفاصيل جديدة فى وقائع إهدار المال العام بالهيئة ربما يتحرك المسؤولون تلك المرة، ليقدموا ما يفيد بأن حربهم على الفساد حقيقية وليست مجرد «عنوان فى الصحف».
بالمستندات: تورط مسؤولين بالهيئة فى تزوير شهادات «الأكاديمية الوهمية»
صورة ضوئية من الشهاداة المزورة الممنوحة للطلاب و لنص الخطاب الخاص بتجديد عقد الأكاديمية بالمخالفة للقانون
حصلت «المصرى اليوم» على مستندات جديدة من داخل أوراق القضية رقم 75 لسنة 2014 حصرى نيابة الأموال العامة مصر الجديدة، التى تختص بالتحقيق فى تعاقد هيئة التأمين الصحى مع أكاديمية وهمية تهدف لمنح خريجى الدبلومات الفنية شهادات علمية طبية، بهدف تسهيل الاستيلاء على المال العام، وذلك عن طريق حصول الأكاديمية الوهمية على 88 مليون جنيه.
وأوضحت المستندات تلقى فروع الهيئة، فى تاريخ 1 إبريل 2012، خطابا بالفاكس من مدير عام الإدارة العامة للتدريب بالهيئة فى ذلك الوقت، مرفقا به عقد بمسمى بروتوكول (ابتكار جديد) بين الهيئة العامة للتأمين الصحى وأكاديمية تدعى (أكاديمية تكنولوجيا المعلومات والدراسات المتطورة)، للتنبيه على الفروع المذكورة به بتفعيل ذلك البروتوكول، عن طريق تدريب الطلاب القادمين من الأكاديمية داخل فرع الجيزة ب«المشاهدة» على التخصصات الواردة بالتعاقد (صيدلة - تمريض - أشعة - تحاليل - صيانة أجهزة طبية).
وذكرت أنه ورد أيضاً، عن طريق المذكورة، خطاب آخر بتاريخ 4 فبراير 2014 تخطر به جميع الفروع بأن أكاديمية تكنولوجيا المعلومات والدراسات المتطورة تخضع للإشراف العلمى والفن، للهيئة العامة للتأمين الصحى على البرامج التدريبية المنعقدة بمقارها تحت مسمى (مساعد خدمات صحية)، منوهة بأن فرع الجيزة تباطأ فى تنفيذ التعاقد لعدم وجود أى هيكل تنظيمى لتلك الوظيفة بالفروع سواء فى صورة قسم أو إدارة، ولم يقم بتدريب أى طالب خلال الفترة: 2012، 2013، ونصف عام 2014.
وأشارت المستندات إلى أنه رغم انتهاء التعاقد فى إبريل 2014، فإنه قد ورد لفروع الهيئة خطاب بتاريخ 6 مارس 2014 يفيد بموافقة السلطة المختصة، وعلى رأسها الدكتور على حجازى، رئيس الهيئة الحالى، على مد البروتوكول المبرم بين الهيئة والأكاديمية الوهمية لمدة شهرين تنتهى فى 31 مايو 2014، بدعوى (حرص الهيئة على إتمام التدريب لطلاب الأكاديمية).
وتضمنت المستندات خطابا من الإدارة العامة للتدريب برئاسة الهيئة لجميع الفروع لإعلانها بمد التدريب لهؤلاء الطلاب؛ ما تسبب فى قيام فروع باستئناف التدريب لعدد 3375 طالبا، يمثلون الدفعة الأخيرة، طبقا لمرسوم كتابى من الأكاديمية الوهمية، منوهة بأن فرع الجيزة اشترط لاستئناف التدرtيب تقديم الطلاب تعهدا للحفاظ على الأماكن التى يدخلونها بالفرع سواء كان عيادات أو صيدليات أو أشعة.
وبينت المستندات أنه رغم نص البروتوكول الموقع على إصدار الشهادات الممنوحة للطلاب عن طريق الفروع، التى تقوم بتدريبهم بالمشاهدة، فإن فرع الجيزة لما لمسه من السرعة غير المبررة فى اتخاذ إجراءات التعاقد امتنع عن إصدار أى شهادات للطلاب غير المؤهلين علمياً. المزيد
«الأكاديمية الوهمية» تتربح 11 مليوناً من الطلاب دون إيصالات
كشف بأسماء طلاب الأكاديمية الوهمية
كشفت المستندات عن حصول «الأكاديمية الوهمية» على مبالغ إضافية من خريجى الدبلومات الفنية، الذين اجتازوا الدورات التدريبية- حسب ما تدعيه الأكاديمية- على 200 جنيه من كل طالب، نظير رسم شهادة النجاح، و300 جنيه لاستمارة التقديم، و300 جنيه أخرى مذكرة امتحانات، و150 جنيها كارت مزاولة مهنة، وجنيه واحد عن كل يوم تأخير فى سداد أقساط المصاريف، بإجمالى 11مليون جنيه، بخلاف مبلغ 8000 آلاف جنيه حصلت عليه من الطلاب نظير التحاقهم بها.
وأظهرت المستندات وجود كشوف جديدة بأسماء المتدربين وأعدادهم داخل جميع فروع الهيئة، متضمنة أسماء الطلاب وأرقام بطاقاتهم الشخصية وهواتفهم المحمولة والمنزلية وإيصالات سداد رسوم خاصة بالأكاديمية.
وأوضحت المستندات تقدم عدد كبير من هؤلاء الطلاب بشكوى رسمية ضد الدكتور عبدالرحمن السقا، وعلى حجازى، وهويدا الكيلانى، عضوة بإدارة التدريب، التى يصفها زملاؤها بالهيئة ب«الصندوق الأسود» للسقا، وسهير، التى نقلها رئيس الهيئة الحالى من إدارة التدريب، للعمل بالمكتب الفنى بالهيئة، إلا أنه سريعا ما تراجع فى قراره، نتيجة ضغوط من «سهير» التى فوجئت بالقرار، وكلفها بالعمل فى التدريب والمكتب الفنى معا.
واستكمالا لمسلسل سوء استغلال المراكز، وبتوصية من الدكتورة سهير، أصدر حجازى قرارا بنقل حسن ناجى، من إدارة التدريب بدعوى أنه من سرب المستندات الخاصة بالأكاديمية الوهمية ل«المصرى اليوم»، رغم تأكيده عدم مسؤوليته عن تسريب هذه المستندات. فى السياق نفسه، قالت مصادر مسؤولة داخل الهيئة، إن الطلاب بالأكاديمية الوهمية تجمهروا أكثر من مرة داخل فروع الهيئة، وهم يحملون شهادتهم، للمطالبة بالتعيين داخل الهيئة، وهددوا المسؤولين بالتقدم ببلاغ للنائب العام يتهمون فيه قيادات الهيئة بالنصب، خاصة بعد رفض وزارة الخارجية اعتماد هذه الشهادات. المزيد
بروفايل .. «الصحة»:عدوى الفساد مستمرة
عادل العدوي، وزير الصحة
مرضى بالفشل الكلوى مهددون بالموت، يحلمون بالرعاية، آلاف المصابين بفيروس «C» لا يجدون علاجهم، ملايين الجنيهات مهدرة بين فساد الذمم وتسيب المسؤولية.. عبث إدارى وتراخ عن الرقابة.. ومؤسسات صحية تفتقر إلى الإمكانيات الأولية لإسعاف وإنقاذ حياة مصاب.. «جزء من كل»، صرخات الألم ومناجاة العليل تصم عنها آذان مسؤولى قطاع الصحة وترفض الالتفات إليها عيونهم.
شجرة الإهمال والفساد داخل أروقة قطاع الصحة تحمل فروعها كل أنواع الفشل، القطاع المنوط به الاهتمام بصحة الإنسان وتقديم المساعدة الطبية له عاجز عن توفير عقار لإنقاذ طفل مصاب بلدغ «عقرب»، أو شريط لزق يوقف نزيف دماء جريح فى حادث سيارة، أو حجرة وسرير يرقد بداخله مريض يصارع آلامه، والحجة «الميزانية لا تسمح»، لا شك أن مرفق الطب لا يعمل بمنطق «الشاطرة تغزل برجل حمار».. لكن أيضا حياة الناس ليست بخسة الثمن أو محلا لتجربة الوزير الدكتور عادل عدوى ومساعديه على صلاحيتهم للإدارة والحفاظ على المال العام من عدمه؟!.
وفقا للدستور، فلكل مواطن الحق فى العلاج، ولأنه لا يوجد مستشفى وسرير، فلا علاج لأحد، ووزراء الصحة الذين جلسوا على كراسى حكم الوزارة، وآخرهم الدكتور عادل العدوى، أداروا ظهورهم لهذه الحقيقة، وبدلا من تسخير جهودهم لتحسين أحوال القطاع، راحوا يشغلون أنفسهم بالدفاع عن كراسيهم ومرؤوسيهم، رغم أن آخر إحصائية تقول إن عدد المستشفيات تناقص بنسبة 0.6% عام 2012 ووصل إلى 920 مستشفى، بينما انخفض عدد الأسرة بنسبة 1.5٪ ووصل إلى 25447 سريراً. المزيد
مسؤول ب «التأمين» يقاضى قيادات الهيئة بتهم النصب والاحتيال والتزوير
الدكتور عبدالرحمن محمد عمار
تقدم الدكتور عبدالرحمن محمد عمار، كبير مفتشى الشؤون الطبية بالتأمين الصحى، فرع الجيزة، ومسؤول التدريب بالفرع، ببلاغ للنيابة العامة، حمل رقم 6366، اتهم خلاله الدكتورة سهير أحمد عبدالحميد، مدير الإدارة العامة للتدريب بالهيئة سابقا، ومدير فرع القاهرة، والدكتور عبدالرحمن السقا، رئيس الهيئة السابق، وهبة الجبالى، رئيس الإدارة المركزية للشؤون القانونية بالهيئة، بالنصب والاحتيال والتزوير فى أوراق رسمية، بهدف التربح وتربيح الغير، لقيامهم بإبرام تعاقد مخالف للقانون مع «أكاديمية وهمية» لمنح حملة الدبلومات الفنية شهادات فنى «تمريض وتحاليل وأشعة، وسكرتارية طبية، وصيانة أجهزة طبية»، بالمخالفة للقانون مقابل الحصول على 8 آلاف جنيه عن كل طالب، تحصل منهم الهيئة على 200 جنيه.
من جهته قال «عمار» ل«المصرى اليوم» إنه صدرت توجيهات من قبل قيادات الهيئة للشؤون القانونية بسرعة البحث عن كبش فداء لتحميله مسؤولية التعاقد غير القانونى مع «الأكاديمية الوهمية»، بدلا من الفاعلين الرئيسيين، لافتا إلى أنه فوجئ باستدعائه من قبل رئيس الإدارة المركزية للشؤون القانونية، بدعوى إحالته للتحقيق داخل الهيئة، فيما يخص تدريب طلاب بفرع الجيزة، دون وجود مستشفيات تابعة للفرع، بالمخالفة للتعاقد.
وأضاف «عمار» أن ما تقوم به رئيس الإدارة المركزية للشؤون القانونية يمثل عبثا يقصد به الإضرار به كونه قد سبق أن أخطر الهيئة بأن التعاقد المبرم مع «الأكاديمية الوهمية» مخالف للقانون، ولا يجوز للهيئة منح شهادات علمية من الدرجة الرابعة لحملة الدبلومات الفنية، باعتبارها ليست جهة تعليمية، وإنما جهة خدمية تهدف إلى علاج منتفعى الهيئة، مقابل سداد اشتراكات عن ذلك.
وأشار إلى أن خطورة ما تقوم به قيادات الهيئة، من إصدار بيانات درجات لمواد علمية، يزيد عددها على 21 مادة علمية، دون دراسة تلك المواد من الأساس، سابقة لم تحدث فى تاريخ الهيئة، أو أى جهة أخرى، ولا سيما أن هذه المواد تحتاج لدراستها معاهد وكليات متخصصة، ومعتمدة من الوزارات المختصة، خصوصا أن الأكاديمية الوهمية ليس لها أى تراخيص تمنحها الحق فى التدريس للطلاب. المزيد