أنظار الفلسطينيين في غزة الآن معلقة نحو تأمين جدران تستر أجسادهم التي أنهكها العراء بعد أن فقدوا منازلهم في الحرب العدوانية الإسرائيلية الأخيرة، ودمر خلالها أكثر من 18 ألف وحدة سكنية تأوى أكثر من عشرين ألف أسرة فقدت بيوتها, بحاجة إلى مليارات كى تعود من جديد، الغزيون ينتظرون تنفيذ الوعود التي قطعها المجتمع الدولى على نفسه لإعادة الإعمار لقطاع غزة المنكوب بعد اتفاق التهدئة الأخير الذي وقع في القاهرة بين الفلسطينيين واسرائيل برعاية مصرية وقد حان وقت قطف ثمار هذه الوعود. غزة تحولت إلى منطقة منكوبة وأوضاعها كارثية، وكأن زلزالا مدمرا قد ضربها بعنف على حد تعبير وزير الخارجية النرويجى «بورخ بريندا»، الذي كان أول من زارها بعد الحرب وشاهد حجم الخراب الذي لحق بها، ورغم أن الحكومة الفلسطينية قد أطلقت خطة لاعادة إعمار قطاع غزة خلال ثلاث سنوات، إلا أن هذه الخطة تواجه عقبات عديدة أهما تردد المانحين في تقديم المال اللازم لإعادة الإعمار، واستمرار القيود الاسرائيلية على المعابر وعدم التوصل إلى حل نهائى للخلافات الداخلية الفلسطينية. ومع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر المانحين لإعادة الإعمار الذي سيعقد في القاهرة في 12 من الشهر المقبل، فقد بدا في الأفق ما لا يبشر لتحقيق أهداف هذا المؤتمر، خاصة بعد تصريحات عدد من الدبلوماسيين الغربيين حول هذا الموضوع، تؤكد هذه التصريحات أن غالبية الدول الأوروبية غير متحمسة لتمويل إعادة إعمار ما دمرته الحرب الاسرائيلية، وترى أنه لا يمكن لدول الاتحاد الأوروبى تمويل حروب اسرائيل على الفلسطينيين، فهذا التمويل معناه أنهم يمولون الاحتلال وحروبه التي لا تنتهى، فالتزام الدول المانحة سابقا كان في اتجاه تمويل السلطة الفلسطينية كى تساعد على بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، وعندما لا تقام الدولة فهذا يعنى أنهم يمولون الاحتلال. بعض الدبلوماسيين الغربيين كانوا أكثر وضوحا فكشفوا عن أولويات بلادهم الكثيرة التي ليس من بينها إعادة الاعمار، فهناك أزمات مالية تعانى منها معظم دول الاتحاد، ويوجد تراجع في انتاج معظم هذه الدول وأمامها مسؤوليات دولية وإقليمية كبيرة، فضلا عن أن معظم دول المنطقة بحاجة إلى دعم وليس الفلسطينيين وحدهم من بحاجة إليه!! لذا من الجلى أن الدول المانحة لن تقدم أموالا سخية في مؤتمر المانحين المقبل. الشق المعلن من الأسباب يبدو وجيها لكن الشق الآخر يبدو أكثر وجاهة، فالدول الأوروبية غير راضية عن التعامل الفلسطينى والاسرائيلى مع الاتحاد الأوروبى لأنهم يتجهون إلى الأمريكيين في القضايا السياسية، ويتجهون إلى الأوروبيين فقط في حال الحاجة إلى المال، فهم ببساطة ليسوا «صرافا آليا» على حد تعبير أحد المسؤولين. الردود الأولية القادمة من دول الاتحاد الأوروبى غير مشجعة ومخيبة لآمال وطموحات الفلسطينيين، الذين شردتهم الحرب وبحاجة إلى حلول سريعة تنتشلهم من الضياع الذي وجدوا أنفسهم فيه مرغمين، وإسرائيل بدورها لن تفى بالتزاماتها والوعود التي قدمتها في الاتفاق الذي وقعت عليه، فعدم قيامها بفتح المعابر مع قطاع غزة أمام المواد اللازمة لاعادة الاعمار واستمرارها بالوتيرة الحالية، يعنى أن اعادة الاعمار ستستغرق ما لا يقل عن 18 عاما وفق تقديرات الأممالمتحدة، كما أن الخلافات الداخلية الفلسطينية تغلق آفاق الأمل في خلق موقف موحد ومناخ سياسى جامع لمواجهة التحديات المقبلين عليها وهذا غاية ما يخشاه سكان قطاع غزة الذين كتب عليهم دفع فاتورة الصراع الداخلى والخارجى، فهل تستطيع حماس درء البلاء عنهم بعد احتفالها بالنصر؟! أم أنها ستخوض مواجهة من نوع جديد كما لمح لها موسى أبومرزوق عضو المكتب السياسى للحركة بالتفاوض مع اسرائيل معتبرا إياه غير محرم ولا غبار عليه إذا اضطرت لهذا السلوك الذي أصبح مطلبا شعبيا على حد قوله، وهى تصريحات جديدة تختلف عن لغة حماس المعهودة؟! اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة