عندما علمت بالخبر الفاجع وأنا فى مهرجان فينسيا يوم السبت الماضى «مات خالد السرجانى منذ نصف ساعة بالسكتة القلبية»، أصابنى الذهول مثل كل من عرفه، وأسكتنى الألم، وتذكرت على الفور قصيدة الشاعر الفرنسى أراجون التى يقول فيها: «يفتح الإنسان ذراعيه للدنيا فيصلب»، فقد تزوج خالد مساء الجمعة، وتوفى بعد ساعات عصر السبت. فتح ذراعيه للدنيا، ولكن حفل الزفاف تحول إلى حفل وداع لزملائه وأصدقائه الذين اجتمعوا من كل حدب وصوب للاحتفال به والتعبير عن حبهم له وفرحتهم بفرحته، وكان من مفارقات القدر أيضاً أن ينشر خبر وفاة الكاتب والصحفى المفكر فى الصفحة الأولى من «المصرى اليوم» عدد الأحد الماضى، وفى نفس العدد ينشر مقالى عن فيلم روى أندرسون الذى عُرض فى فينسيا وموضوعه الموت من أول إلى آخر لقطة. عرفت خالد السرجانى عندما انضم إلى جمعية نقاد السينما المصريين فى مطلع ثمانينيات القرن الميلادى الماضى، ولاحظت أنه من الصحفيين الذين يقرأون أكثر مما يكتبون، وينطبق عليه تعريف أستاذنا الراحل كامل زهيرى للصحفى الناجح بأنه الذى «يحترف القراءة ويهوى الكتابة»، فقدمت إليه حقيبة كبيرة من الكتب بها كل النسخ المتوفرة من كتبى وبعضها كان النسخة الأخيرة، وكتب أخرى من مكتبتى. كان السرجانى قارئاً موسوعياً يقرأ كل شىء عن كل شىء، ولكنه تخصص فى الصحافة ووسائل الاتصال بصفة عامة، وكتب أكثر ما كتب فى السياسة من منظور التحليل الثقافى، وإن انطلق من التعليق على أحداث جارية، وكان موقفه الفكرى وطنياً خالصاً ومصرياً خالصاً بل مستقلاً بكل «معنى الكلمة»، وكان آخر ما عرض عليه رئاسة تحرير جريدة «القاهرة» التى تصدرها وزارة الثقافة، ولكنه اعتذر للدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة، معبراً عن امتنانه، ولم يعلن ذلك قط. وعندما توليت رئاسة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى أغسطس من العام الماضى لم أجد أفضل من خالد السرجانى لتولى إدارة المركز الصحفى وليكون المتحدث الرسمى باسم المهرجان، وكنت أريد أن يتولى المنصب من لا يختلف عليه أحد من الصحفيين، ومن لا يشك أحد فى موضوعيته العلمية ونزاهته الأخلاقية، ومن يعتز كل صحفى فى المركز بأن يكون رئيساً له، وأتاح لى العمل معه منذ يناير أن أقترب منه كما لم يحدث منذ عرفته. وكما كان السرجانى كثير القراءة كان أيضاً كثير الصمت فى الاجتماعات المطولة، والتى لم تخل من المناقشات الصاخبة، ولكنه عندما ينطق يقول فى هدوء وبكلمات قليلة ما يحسم الجدل، وكأنه البوصلة التى ترشد إلى القرار الصحيح، رحمه الله وألهم أسرته الصغيرة والكبيرة السلوان عن فقده. [email protected] وقال أراجون: يفتح الإنسان ذراعيه للدنيا فيصلب اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة