إدوارد سنودن هو بطل الكاتب الصحفي الأمريكى جلين جرينوالد. الأخير تولى كتابة سر أباحه الأول: «أمريكا تراقب الجميع». إدوارد سنودن، اللاجىء مؤقتاً فى روسيا، ليس كمثله من موظفى وكالة الأمن القومى الأمريكى لأنه «كشف المستور» وقدم تسريبات خطيرة حول أداء الدولة الأقوى فى العالم فيما يخص العمل الاستخباراتى والتجسسى. جلين جرينوالد نشر في الجارديان الوثائق المسربة فى «خبطة صحفية» أوجعت الرأس الأمريكى. وبعدما سكنت قليلاً عاصفة «سنودن» عاد ليطل من جديد بعد عام من وقوع «زلزال التسريبات» لكن هذه المرة فى كتاب وضعه جلين جرينوالد نفسه صدر الشهر الماضي كان من شأنه أن يزوبع من جديد في فضاء ممارسات القوى العظمى المقيدة للحريات. «لا مكان للاختباء، إدوارد سنودن، وكالة الأمن القومي الأمريكي والولايات المتحدة دولة رقابية» عنوان الكتاب الصادر فى 272 صفحة. ومنذ أيام صدرت نسخة مختصرة منه في 92 صفحة تمكن القارىء من الإلمام بأبرز تفاصيله في 30 دقيقة فقط وإن أراد الاستزادة فعليه شراء الكتاب فى نسخته الكاملة. الكتاب الذي احتل المركز الثالث في تصنيف موقع «آمازون» باعتباره من أفضل كتب الشهر يعيد الصحفي جرينوالد فيه سرد الأحداث ويستعرض الوثائق ويحللها ويقدم رأيه الذي يناقش من خلاله فكرة الرقابة وتأثيراتها على الحريات الدستورية التي يطنطن بها الغرب. منطق جرينوالد استقصائى بحت. يؤمن بأن الصحفى لا يكتفى بالفرجة لكن عليه المشاركة بالفعل والدفاع عما يعتقده صحيحاً. ليس غريباً إذن أن يحظى الرجل بجوائز عديدة فى مجال الصحافة الاستقصائية التى يساعده مفهومها فى تحقيق مراده الأساسى: «الرقابة على المجتمع. رقابة أخلاقية تختلف حتماً عن الرقابة بمفهومها الأمنى». الكتاب يؤكد أن ما كشفت عنه المعلومات المسربة يشير إلى أن حياة الإنسان الخاص منها والعام أصبحت مادة خصبة فى متناول يد من تتوفر لهم تقنيات التجسس والرقابة عن بعد. يمكن الحصول على بيانات أكثر عمقاً عن الكل. ما يمكن تسميته «بيانات» عن «البيانات» metadata. لا تنشغل أجهزة التجسس حسب الكتاب إلا بفلسفة واحدة هى «جمع البيانات» وفى ضوء البيانات وعلى سبيل المثال يتم تفسير الأحاديث التى تدور بين الناس والتحقق من مجالات اهتماماتهم فينكشف الجميع ولا تعد لهم حياة خاصة. المكالمات التليفونية، البريد الاليكترونى، مواقع التواصل الاجتماعية وغيرها يمكن رصدها ومعرفة اتجاهات من يتواصلون من خلالها وأسرارهم. لم يكن غريباً أن يكون مبدأ وكالة الأمن القومى الأمريكى هو «البحث المستمر عن البيانات»، هكذا تساءل صراحة مديرها حينها كيث الكسندر فى اجتماع مع نظرائه الإنجليز عام 2008 حسبما أورد ديفيد كول فى صحيفة الواشنطن بوست: «لماذا لا يكون بوسعنا البحث عن كل البيانات بشكل متواصل؟». حينها قالت الوكالة إن العبارة وردت بشكل عادى فى سياقها لكن الكتاب يؤكد أن عبارة ألكسندر هي أساس عمل الوكالة. الوكالة، كما نقرأ فى الكتاب، تريد أن تكتشف كل شىء، تجمع كل شىء، تعالج البيانات المرتبطة بكل شىء، أن تربط ما بين عناصر كل شىء. باختصار: تعرف كل شىء. يحكى جرينوالد فى الكتاب بأسلوب قصصى مشوق كيف تلقى أول اتصال من سنودن (31 عاماً) فى 1 ديسمبر 2012 عبر رسالة بريد اليكترونية استخدم فيها اسماً مستعاراً وكيف ألح على «درينوالد» بضرورة استخدام برنامج تشفير يصعب من امكانية الكشف عن مضمون بريده حتى يجعل الاتصال معه أكثر أماناً وهو ما اتفق مع رغبة الصحفى كما يعلن فى الكتاب حيث أنه طالما أراد ذلك بعد أن تأكد له من متابعاته الصحفية وواقعه اليومى سهولة اختراق الحسابات البريدية على الانترنت. لكن «جلينوالد» تجاهل الرسالة ولم يرد لأنه كثيراً ما كان يخبره أشخاص أن لديهم «قصة كبيرة» له لكن فى النهاية لا يكون هناك أمر جدى. أرسل «سنودن» من جديد بريداً للصحفى أجاب عليه الأخير باقتضاب أنه سينظر فى الأمر مشيراً إلى أنه لا يتوفر لديه برنامج التشفير لكن «سنودن» أرسل له تفاصيل برنامج التشفير. في 28 يناير 2013 أرسل جلين جرينوالد يطلب من «سنودن» مساعدته فى ايجاد من يمكنه من «تنصيب» البرنامج على حاسبه بعد أن خشى أن يفقد قصة مهمة بالفعل ورد عليه «سنودن» بفيديو يمكن أن يساعده على ذلك ورغم ذلك لم يتحمس «جرينوالد». يتسارع السرد فى الكتاب مكملاً القصة بظهور مخرجة الأفلام القصيرة لورا بواتراس إحدى صديقات الصحفي التي نجح «سنودن» في الوصول إليها وتمضي بنا الأحداث إلى اللقاءات الفعلية التى جمعت بين الصحفى وبطله فى هونج كونج والتى كانت مضمون الفصل الثانى من الكتاب وأنتجت أخطر تسريبات معلوماتية واجهتها الإدارة الأمريكية الحالية. ينشر جلين جرينوالد في كتابه وثائق جديدة إضافة للوثائق التى سبق الكتابة عنها وكلها تؤكد على مسعى الأجهزة ووكالة الأمن القومى إلى وضع اليد على حياة المدنيين الشخصية داخل أمريكا وخارجها عبر جمع بيانات «لا يمكن تخيل حجمها لأنها تفوق قدرتنا على التخيل وقدرتنا على تخزينها وتحليلها» على حسب كلمات ديفيد كول فى الواشنطن بوست. يتضمن الكتاب كذلك تفاصيل عن التقنيات والآليات التى تتمكن بها الوكالة من فرض رقابتها الإليكترونية المحكمة على أهدافها. ومنها تقنية Xkeyscore التى بوسعها رقابة وتسجيل أى حرف يكتبه أى مستخدم على لوحة مفاتيح حاسبه. وتزداد أهمية هذا الكتاب يوماً بعد يوم مع اكتشافات جديدة يعلن عنها فى دول العالم «الأكثر ديمقراطية» و«حماية لحقوق الإنسان» تتعلق بوقائع مؤكدة تشير إلى انتهاكات تمس حقوق مواطنيها مثلما فعلت بريطانيا التى اعترفت حديثاً بالتجسس على الملايين من «الإنجليز» على مواقع التواصل البريطانى ومراقبة استخدامهم محرك البحث «جوجل». No Place to Hide Edward Snowden, the NSA, and the U.S. Surveillance State Glenn Greenwald Metropolitan Books 2014