يوجد نوع آخر من كأس العالم، نوع لا يعتمد على تسجيل الأهداف وإنما على ملء الفراغات الموجودة بالصفحة. يفسح عشب الملعب المجال أمام ألبوم للصور، ويتحول اللاعبون إلى أطفال ومراهقين وبالغين.. لا تحتاج إلى تقنية عالية، وهدفك ليس أن ترفع الكأس عاليا في استاد «ماراكانا» ولكن أن تنتهي من جمع ملصقات وضعت معا داخل مغلف واحد بين جدران أحد المباني بمدينة مودينا الإيطالية. وهنا تبدأ البطولة قبل إطلاق صفارة البداية في البرازيل بكثير، بل إنه عندما يلتقي البلد المضيف، البرازيل، مع منتخب كرواتيا في المباراة الافتتاحية للمونديال الحقيقي، سيكون الكثيرون نجحوا بالفعل في إكمال ألبوم شركة «بانيني». وتعمل الشركة الإيطالية على إنتاج بطاقات تداول خاصة بكأس العالم منذ مونديال المكسيك 1970، ورغم كل الخبرة التي اكتسبتها منذ ذلك الوقت، ما زالت شركة بانيني تواجه تحديا هائلا: «ليس بسبب التكنولوجيا الجديدة فحسب وإنما لأن الشركة تحتاج مثلا لاتخاذ قرار بشأن اختيار لاعبي المنتخب البرازيلي حتى قبل أن يتخذ مدرب منتخب السامبا نفسه هذا القرار بكثير». ويقول فابريتسيو ميليجاري، أحد رؤساء التحرير بشركة بانيني: «إنها وظيفة معقدة حقا، ولكنها مثيرة للغاية أيضا». ويوجد أشهر من الاستعدادات وساعات طويلة من العمل بمصنع الشركة الموجود بمدينة مودينا الصغيرة بشمال إيطاليا خلف الألبومات الشهيرة. وجاء القرار الأكثر أهمية بالنسبة للشركة في يناير الماضي، في نهاية تحليل إحصائي مطول.. فقد عقد خبراء من مختلف أنحاء العالم نقاشا ساخنا في مقر بانيني لاختيار نجوم الألبوم بموجب 17 لاعبا يجب تجميع صورهم في كل فريق. ويقول «ميليجاري»: «نتابع المنتخبات التي يمكنها الوصول إلى نهائيات كأس العالم قبلها بأشهر عديدة.. إننا نتابع أكثر من 32 منتخبا، لأنه في بعض الأحيان تتأهل منتخبات بطريقة غير متوقعة وفي أحيان أخرى تفشل منتخبات في التأهل رغم أن مشاركتها كانت تعتبر حتمية». ويضيف: «عليكم أن تروا اجتماعات القسم التحريري.. فعندما نختار لاعبا أو آخر نجري مناقشات ربما تصبح شديدة الانفعالية». ورغم حرص شركة بانيني على المحافظة على تلك اللمسة الشخصية الموجودة في مجموعات ملصقاتها، فإن قرارات اختيار اللاعبين بعيدة تماما عن آراء وأذواق مديري الشركة. ويفسر «ميليجاري» هذا الأمر، بقوله: «لدينا إحصائيات مفصلة تماما.. مثل عدد المرات التي يلمس فيها لاعب ما الكرة بقدمه اليسرى، وعدد المرات التي وقف خلالها بمنطقة معينة من الملعب.. لدينا أكثر من 150 معيارا لتحليل كل فريق». ولكي يتحقق كل ذلك تحظى الشركة الإيطالية بدعم «ديجيتال سوكر بانيني»، وهي شركة فرعية تعمل في تحليل المباريات وكذلك تحليل أداء اللاعبين والفرق. وشدد «ميليجاري»: «إنه عمل معقد للغاية، فكأنك تقوم بعمل (مدرب ألمانيا يواخيم) لوف أو (مدرب إيطاليا تشيزاري) برانديللي لكن ل32 منتخبا مختلفا». وأضاف: «ربما يكون الاختيار سهل نسبيا لمنتخبات مثل إيطاليا أو ألمانيا أو أسبانيا أو إنجلترا، ولكن بالنسبة لمنتخبات كغانا على سبيل المثال، يصبح الأمر أكثر صعوبة.. فلكي نفعل ذلك علينا أن نتابع مبارياتهم، كما أننا لدينا صحفيينا ومراسلينا الذين يتابعون الأحداث في مختلف أنحاء العالم حتى نتمكن من القيام بعملنا على أفضل نحو». ويحمل كل ملصق صورة للاعب وإشارة إلى المركز الذي يشغله في الملعب سواء كان حارس مرمى أو مدافع أو لاعب خط وسط أو مهاجم، إلى جانب النادي الذي يلعب فيه وتاريخ ميلاده وطوله ووزنه. ولكن عادة ما تظهر مواقف تتجاوز أي توقعات أو تخطيط أو أبحاث.. وقد تفسد إصابات اللحظات الأخيرة أو مفاجآت بعض المنتخبات عمل أشهر طويلة. ويتم إنتاج الألبومات في مودينا وفي مصنع آخر بمدينة ساو باولو البرازيلية الصناعية، وفي مودينا، تم تمديد ساعات العمل حتى لا يتوقف الإنتاج قبل كأس العالم حيث يتم توزيع ساعات العمل على ثلاث ورديات من السادسة صباحا والثالثة من صباح اليوم التالي يوميا. ويقف مبنى شركة بانيني في مودينا على مساحة تصل إلى 20 ألف متر مربع ، وأغلب هذه المساحة مخصصة للإنتاج.. وتضم الشركة 200 موظف في المدينة الإيطالية وهم مسؤولون عن إتمام العمل بسلاسة. وتحصل بانيني على مدخلاتها، ألواح كبيرة تحتوي كل منها على 200 ملصق، من متعهد خارجي وهو نفس الشركة التي تمدهم بصور الألبومات البالغ عددها 640 صورة في كل ألبوم بداية من اللاعبين ومرورا بمدربي المنتخبات الوطنية والاستادات ووصولا إلى شعارات اتحادات الكرة.. فالجماهير تحتاج كل ذلك. وبعد خطوات عديدة، يتم تقطيع الصور من الألواح وخلطها سويا ثم تغليفها بمساعدة الآلة التي اخترعها أومبيرتو بانيني «فيفيماتيك». وتحمل جميع المغلفات نفس أعداد بطاقات التداول الخاصة بكأس العالم، ولكن من المستحيل أن يتكرر بداخل مغلف واحد الملصق نفسه مرتين. وتباع ألبومات بانيني في أكثر من 110 دول حول العالم حيث تعتبر أوروبا وأمريكا الجنوبية السوقين الرئيسيتين للشركة التي أسسها الأخوان بانيني عام 1961 وباعاها عام 1988.