العبور إلى سيناء «مهمة مستحيلة»

«العربية الكيا تطلع قدام شوية، النص نقل ياخد يمينه، وإنت يا إسعاف إرجع وإدخل تانى زى ما دخلت أول مرة»، صوت نداء يطلقه سائق معدية القنطرة بمدينة الإسماعيلية، طيلة الوقت، فى محاولة منه لتنظيم صعود السيارات للمعدية، بأكبر قدر تتحمله طاقتها، لتخفيف حدة الزحام.
أنت الآن أمام معدية الرسوة 15 القنطرة غرب، طابور طويل من سيارات الملاكى والتاكسى، والنصف نقل المحملة بمحاصيل الخضر والفاكهة والأغذية المعلبة، والأخشاب والحيوانات، وسيارات النقل الثقيل المحملة بالخامات والمعدات الثقيلة فى طريقها للقنطرة شرق ومنها إلى قلب سيناء.
إلى جوار مزلقان سكة حديد الإسماعيلية- بورسعيد، جلس أحمد محمد، سائق سيارة نصف نقل، فى انتظار أن يسمح له أحد جنود القوات المسلحة بالتحرك خطوات للأمام فى اتجاه المعدية، حيث مل الانتظار بالجلوس داخل سيارته لمدة تجاوزت ثلاث ساعات كى يصل لبيته فى سيناء. «دى كده الدنيا رايقة جدًا النهاردة». رغم ساعات الانتظار إلا أن أحمد يرى أنه أحسن حالا من سائقى النقل الثقيل: «عشان عربيتى نصف نقل أقف فى الطابور مع الملاكى 4 أو 5 ساعات بالكتير، أما النقل الثقيل ليه مجرى لوحده ودول بيقعدوا ب7 ساعات، وأحيانا بيناموا فى العربيات لليوم التالى». يشرد أحمد ببصره تجاه كوبرى السلام المغلق والمضاءة أنواره حتى فى الظهيرة قائلاً: «ما كنش بياخد معانا غير 15 دقيقة بالكتير، وبندفع له رسوم بسيطة حوالى 2 جنيه، كان رحمة لينا من العذاب ده».
أكثر من 300 يوم مرت على قرار إغلاق كوبرى السلام، فى 20 يوليو من العام الماضى، لاحتياطات أمنية، الأمر الذى استدعى حوارًا مطولا من مشايخ قبائل سيناء، الذين التقاهم المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى، الشهر الماضى، وقدّم لهم وعودا بفتح الكوبرى حال فوزه فى الانتخابات.
إبراهيم على، سائق تاكسى يعمل فى مطار القاهرة، ومسار عمله يوميا بين رفح والعريش لنقل المسافرين من أهل المدينتين إلى مطار القاهرة. يحكى معاناته بعد إغلاق الكوبرى: «عديت أكتر من 20 مرّة على المعدية بعد قفل الكوبرى لإنى بوصل ركاب من العريش ورفح للمطار والعكس، كنت بعمل المشوار ده يوميا فى 4 ساعات من العريش للمطار، أما بعد قفل الكوبرى بناخد ال4 ساعات على الأقل فى الانتظار فقط دون مبرر، ووقت حظر التجول بعد فض رابعة والنهضة كان يوم الجمعة إجازة للمعديات، وكان عطلة بالنسبة لنا».
بالمقابل، رضا الأمين، صاحب سيارة نصف نقل تحمل حيوانات لمنطقة جلبانة بسيناء، يؤكد أن زحام المعدية أجبره على مضاعفة تكلفة النقل من 100 جنيه إلى 200 «ثمن العطلة دى»، على حد تعبيره، فضلا عن أنه لم يعد ينقل لهذا الطريق سوى نقلة واحدة يومياً على الأكثر بعد أن كانت نقلتان أو ثلاث أثناء تشغيل الكوبرى.
كل ما يهون على مستخدمى المعدية ساعات الانتظار هو أكشاك وعشش صغيرة متواضعة لبيع الشاى للسائقين.
المعاناة الأكبر أمام زحام المعديات يعيشها سائقو التريلات، حيث لا يتم السماح بصعود أكثر من مقطورة واحدة من حمولات الأوزان الثقيلة، ويظل سائقوها لأيام فى انتظار دورهم للصعود.
يقول نبهان عبدالله، صاحب مقطورة وسائق: «بنتعامل هنا أصعب معاملة. نقف أحيانا يوم أو اتنين لحد ما نركب، على الرغم من إن رئيس الهيئة حدد لنا طلوع 3 مقطورات على المعدية، لكن ما فيش حد بيطبق ده».
أحد السائقين، تحفظ على ذكر اسمه، يشتكى من إتاوات يفرضها سكان محليون من بدو سيناء على أصحاب سيارات النقل لتقديم دورة العبور فى المعدية، ومن يختلف معهم لا يتحاورون معه سوى بالسلاح.
فى حين شرح أحد البدو ما وصفه السائق بالإتاوة مقابل السماح بتجاوز «الدور»، قائلا: «أنا من عرب السواركة، وإحنا بنحاول تنظيم طابور المقطورات علشان محدش يطلع من الطابور أو يخالف دوره، ومن يخالف ذلك (بنتصرف معاه)، لإن النظام هنا مسؤوليتنا ولما بتحصل مشكلة بنعرف نخلصها».
الوضع أكثر هدوءا فى معدية نمرة 6 بالإسماعيلية، والتى تقوم قوات من الجيش، بالتعاون مع قوات حرس الحدود، بتنظيم المرور عليها، عدا مخالفات من الركاب تنحصر فى صعود بعضهم إلى أطراف المعدية للاقتراب من مياه القنال فى ظل عدم وجود أبواب حديدية لإغلاق مداخل ومخارج المعدية أثناء رحلتها.
فى حين استغنى عدد كبير من سكان مدينة القنطرة شرق عن سياراتهم الملاكى وفضلوا الانتقال بين القنطرتين فوق معديات المشاة التى لا تستغرق أكثر من 5 دقائق.
أزمة توصيل الأدوية إلى الصيدليات يشرحها الدكتور محمد عبدالفتاح، صاحب صيدلية فى القنطرة شرق، قائلا: «شركات الأدوية توقفت عن توصيل طلبيات الأدوية حتى باب الصيدلية كما كان يحدث قبل إغلاق كوبرى السلام». يضيف: «الآن تكتفى هذه السيارات بالوقوف قبل المعدية غرب القناة، مما يستوجب استقلال معدية الركاب وتحويل الأدوية من القنطرة شرق داخل أكياس بلاستيك»، موضحا «الشركات ترفض توصيل الأدوية خوفا من تضييع الوقت فى الانتظار لنصف يوم أو يزيد أمام المعدية».