لم تطالب ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير سوى بالحرية وإقامة دولة مدنية ديمقراطية، والثورة المضادة هى إجهاض الثورة، وقتل مصر الحرة قبل أن تولد. وقد عبر رئيس الجمهورية السابق ورئيس الحزب الوطنى الديمقراطى القائم فى مواجهة شعار الثورة «الشعب يريد إسقاط النظام» عن خطة الثورة المضادة عندما قال إن بديل النظام هو الفوضى المدمرة، وحكم الإخوان المسلمين. نجح النظام السابق فى إثبات صحة المقولة الأولى «أنا أو الفوضى» نجاحاً ساحقاً، وذلك عندما سحب الشرطة من مقارها، وفتح السجون وأطلق المجرمين المحترفين على الشعب، وأحدث الفوضى المدمرة، وهى الفوضى التى لاتزال مستمرة، والتى كلما استمرت ازداد النفور من الثورة طالما أدت إلى افتقاد الأمن والأمان، وكأن المتظاهرين هم الذين سحبوا الشرطة وفتحوا السجون! ويحاول النظام السابق فى الوقت نفسه إثبات صحة المقولة الثانية «أنا أو حكم الإخوان المسلمين» حتى يكتمل نجاح الثورة المضادة. ومن الضرورى أن يعمل الجيش والشعب معاً لإفشال الثورة المضادة، وميلاد مصر الحرة. بل إن على الإخوان المسلمين الكف عن اللعب مع فلول النظام السابق، وإدراك أنه لا دور لهم إلا فى دولة مدنية ديمقراطية حقيقية، والاعتذار للشعب المصرى عن مقولة «طظ فى مصر» أيا كان السياق الذى قيلت فيه. الشواهد وشواهد محاولات إثبات صحة المقولة الثانية عديدة، وأهمها: ■ عدم إسقاط الدستور ووضع دستور جديد لإقامة النظام الجديد. ■ عدم حل الأحزاب، وإصدار قانون جديد لممارسة الحقوق السياسية توفق الأحزاب القائمة أوضاعها بناء عليه، ويتيح الفرصة لإنشاء أحزاب جديدة تولد من رحم الثورة، كما ولد حزب الوفد من رحم ثورة 1919. ■ تشكيل لجنة لتعديل الدستور برئاسة ممثل لتيار الإسلام السياسى، واختيار أحد قيادات الإخوان عضواً فى اللجنة. ■ التعديلات التى انتهت إليها اللجنة. ■ تحديد موعد 19 مارس للاستفتاء على هذه التعديلات، ثم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية على أساس الدستور القائم، وإنهاء سلطة الجيش فى أول أكتوبر. ■ الإعلان عن نصف دستة من الأحزاب الجديدة المسماة إسلامية. ■ الإفراج عن عدد من الإخوان المسلمين وأعضاء الجماعات الإسلامية، بدلاً من الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين. التعديلات ترسم التعديلات الدستورية خارطة طريق إثبات صحة المقولة الثانية للنظام السابق، وإتمام نجاح الثورة المضادة، وذلك للأسباب التالية: ■ لم تمس التعديلات جوهر النظام الذى طالبت ثورة الشعب بإسقاطه، وهو صلاحيات رئيس الجمهورية الذى يحل مجلس الشعب أو يبقيه، ويشكل الوزارة ويقيلها، ويصدر القوانين ويعدلها، ويرأس المجالس العليا للجيش والشرطة والقضاء، بل ويخالف ما يشاء من مواد الدستور ذاته! وفى حال موافقة الشعب على هذه التعديلات، تصبح موافقة ضمنية على تجديدها للرئيس القادم. ■ تفترض التعديلات أن يتنازل الرئيس القادم طواعية عن صلاحياته فى الدستور بعد أن يقسم بالله العظيم أن يحافظ عليه، وبعد أن يتم انتخابه على أساس ذلك الدستور، وتفترض أنه سوف يقرر وضع دستور جديد لدولة مدنية ديمقراطية! ■ تضيف التعديلات شروطاً غير ديمقراطية، أو بالأحرى فاشية للترشح للرئاسة، وهى أن يكون المرشح رجلاً، ولا يحمل ولم يكن يحمل لا هو ولا والداه جنسيات أخرى غير المصرية، وألا يكون متزوجاً من امرأة غير مصرية، وهذه كلها شروط لا علاقة لها بالكفاءة العلمية أو النزاهة الأخلاقية. ■ تمنح التعديلات للرئيس حق تعيين نائب له أو أكثر، مما يجعل مصير الدولة غامضاً فى حال خلو المنصب لوجود أكثر من نائب، كما أن تعيين نائب بواسطة الرئيس يعنى احتمال تولى رئيس غير منتخب، وتفترض التعديلات أن الرئيس طواعية لن يعين شقيقه أو يورث ابنه! ■ تكلف التعديلات مجلس الشعب بتشكيل اللجنة التى تضع الدستور الجديد فى حال طلب الرئيس ذلك، وهو أمر ربما يكون غير مسبوق لأن أحداً لا يستطيع أن يعرف مسبقاً من ستأتى به الانتخابات، ولذلك توضع الدساتير بواسطة لجنة تأسيسية من الخبراء وممثلين عن كل طوائف الشعب واتجاهاته السياسية. ■ لا تشمل التعديلات حق المصريين جميعاً فى الاشتراك فى الاستفتاءات والانتخابات سواء داخل مصر أو خارجها، وإنما تقتصر على حق المقيمين فيها فقط. وهذا يعنى حرمان ملايين المصريين من المشاركة فى تقرير مصير وطنهم، وهو حقهم بغض النظر عن أن تحويلاتهم المالية تمثل المصدر الثالث لإيرادات البلاد. ■ تنص التعديلات على إشراف القضاء على الاستفتاءات والانتخابات، بينما من الضرورى أن تنظمها وزارة الداخلية وحدها، ومن دون إشراف القضاء. وذلك لثلاثة أسباب: - أن القضاء يجب أن يستقل تماماً، بل وأن تلغى وزارة العدل، وأن يبتعد عن كل أشكال العمل السياسى بما فى ذلك الانتخابات. - حقيقة أن الانتخابات زورت فى النظام السابق حتى عندما كانت تحت إشراف القضاء، مما يؤثر على هيبته ووقاره ومصداقيته. - كان إشراف القضاء ولايزال بسبب الشك فى نزاهة وزارة الداخلية، وقد آن الأوان فى مصر الحرة المنشودة أن تنتهى فيها أزمة عدم الثقة بين الشرطة والشعب. وهذه الأزمة لم تبدأ مع الجرائم التى ارتكبتها عناصر من الشرطة أثناء الثورة، وإنما ترجع إلى استحداث الجمهورية الأولى منذ 1953 أجهزة أمنية سياسية مثل أمن الدولة وغيره، ومن المفترض أن ثورة 25 يناير تعنى بدء جمهورية ثانية مدنية ديمقراطية تنهى الأمن السياسى، وتعيد كل شىء إلى أصله. دستور جديد هناك ما يشبه الإجماع من أساتذة القانون الدستورى بأن وضع دستور جديد لدولة مدنية ديمقراطية لا يستغرق أكثر من أسابيع قليلة، لأنهم يعرفون جيداً كيف يكون دستور هذه الدولة. لقد قام الشعب بثورة كاملة من أجل الحرية، وأيد الجيش ثورة الشعب، وقام الشعب بتفويض الجيش على بياض من فرط الثقة، وهى ثقة مستحقة، ومن شرعية العشرين مليوناً الذين خرجوا فى كل أنحاء مصر لمدة 18 يوماً، ويمثلون كل طبقات وأجيال واتجاهات الشعب، يستطيع الجيش أن يشكل لجنة لوضع دستور جديد، فلا توجد شرعية أقوى من هذه الشرعية، وهذا العدد من المواطنين أضعاف عدد كل من اشتركوا فى الاستفتاءات والانتخابات طوال تاريخ مصر. وعلى أساس الدستور الجديد يتم انتخاب الرئيس رجلاً كان أو امرأة، ونائبه أو نائبته، كما يتم انتخاب مجلس الشعب والمجالس المحلية فى نفس السنة مع تساوى المدد أربع أو خمس سنوات، حتى لا تظل البلاد فى انتخابات مستمرة. لقد دفع الشعب ثمن الحرية من دماء الشهداء، ومن خبزه واقتصاده الوطنى، وأصبح من حقه أن يحصل عليها. [email protected]