كتب تولوستوى فى مفتتح رواية آنا كارنينا: «كل الأسر السعيدة لها حكايات متشابهة، أما الأسر التعيسة فلكل منها تعاستها الخاصة المميزة». يصلح هذا القانون للنظم السياسية أيضاً. كل الديمقراطيات متشابهة، أما النظم غير الديمقراطية فلكل منها «تعاستها المميزة»! الديمقراطية نظامٌ مركب، ولكن له قواعد تُسهِّل فهم طريقة عمله. النظم غير الديمقراطية ليس لها قواعد. لكل منها قانونه الخاص وتقاليده المتوارثة. بقدر رسوخ التقاليد واستقرارها يكون استقرار النظام. هذه القوانين هى «شفرة» عمل النظام. ما شفرة النظام المصرى؟ منذ أكثر من ستين عاماً انحصرت هذه الشفرة فى ثلاثة أحرف (ج ى ش). الجيش هو الذى صاغ النظام السياسى الذى حكم مصر منذ 1952. من رحمه وفى ظله تخلَّقت بيروقراطية الدولة التى نمت نمواً سرطانياً. قد يسارع البعض بعقد مقارنات مع نظم عسكرية مختلفة فى أمريكا اللاتينية وغيرها. لنتذكر مرة أخرى أن لكل نظام غير ديمقراطى «تعاسته المميزة». سياسياً، من هنا أهمية السؤال: ما الجيش؟ ما معناه السياسى؟ الجيش فى مصر هو أكبر جماعة سياسية منظمة. هو المنظمة الوحيدة التى «تُجند» كوادرها من أقصى البلاد إلى أقصاها. لم ينافسها فى ذلك سوى تنظيم الإخوان الذى يتفوق عليه الجيش بتجنيد الأقباط. نظام يوليو خلق طبقة سياسية من ضباط الجيش. هذه الطبقة تغطت- من البداية- بطبقة من التكنوقراط والسياسيين الموظفين من ذوى الولاء أو الكفاءة. هذه المنظومة كلها تحلقت حول شخص واحد أصبح دوره مركزياً فى النظام السياسى المصرى: الرئيس. هذا الشخص يتم اختياره بواسطة الجيش ومن بين أبناء الجيش. الجيش هو مفرخة القيادة السياسية. المزية الأساسية للنظم الديمقراطية أنها مستقرة على المدى الطويل. السبب بسيط: هى تستطيع أن تكيف نفسها لمجاراة المتغيرات الاجتماعية لأن مطالب الناس ومصالحهم وآمالهم تجد مؤسسات تعبر عنها. النظم غير الديمقراطية تتكلس وتجد نفسها عند نقطة معينة فى طريق مسدود. أحد الحلول التى تلجأ إليها عند نقطة الانسداد هو البحث عن قائد (من رجال النظام) لديه كاريزما وقدرة على الفعل، ليأتى بالتغيرات المطلوبة من داخل النظام نفسه. كان هذا ما فعله «دنج شاو بنج» فى الصين. علق الكثيرون أملاً على أحمد شفيق ليقوم بهذا الدور فى مصر. فوزه بالمنصب كان سيمنحه التفويض اللازم لقيادة عملية التغيير. اليوم، يظهر فى الأفق قائد آخر. النظام فرزه وقدمه للصدارة بنفس الطريقة القديمة. المؤكد أننا ننتظر منه أن يلعب بطريقة جديدة.