في كتابه "نصيبي من باريس" يستعرض الكاتب المغربي البارز أحمد المديني جوانب من صداقاته مع مثقفين عرب في العاصمة الفرنسية ويلخص تناقض موقف كثير من العرب في حلمهم بالسفر إلى الغرب رغم أنهم يلعنونه بل إن بعض من يعيشون في الغرب لا يكفون عن الهجوم عليه. ويتساءل "أي تناقض غريب ومشاكس هذا الذي عشناه بل ما ننفك نحياه" واصفا الغرب في المخيلة العربية ولدى كثير من العرب المقيمين فيه بأنه ملتبس.. فهو محبوب وفي الوقت نفسه مكروه. ويقدم تفسيرا لهذا التناقض بقوله "هي الحاجة المحرقة. عطش جهنمي. كبتنا المحموم والفيض المتاح في الغرب. في باريس رمز العطاء في كل شيء. في الواقع والتصور مقابل ما كنا فيه من حرمان وبؤس وتخلف وافتقاد لقيم الحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية. أدركها هذا الشعب هو نفسه الذي غزانا وأخضعنا بقيم ومثل أخرى وها نحن نقبل عليه لينقذنا مما نعيشه من أهوال ومذلة." ويبدأ المديني كتابه ببيت المتنبي "نصيبك في حياتك من حبيب - نصيبك في منامك من خيال" ثم يسجل في مدخل عنوانه (عتبات حياة) محطات من رحلاته حيث ولد في إقليم الشاوية بالمغرب الأقصى ثم هاجرت أسرته إلى الدار البيضاء إذ "تيسر لأهلي بيت وزاد ولرب عائلتنا عمل" ثم واصل هجراته إلى الجزائر ثم باريس. وكتاب "نصيبي من باريس" الذي يقع في 280 صفحة متوسطة القطع صدر في القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية. ويصف باريس بأنها تتراوح بين "الحقيقة والخيال.. بين الواقع والاستيهام.. بين التاريخ الموثق والصورة المبتدعة يطرزها كل فرد أو جيل حسب هواه." وكانت العاصمة الفرنسية في الستينيات تمثل للمؤلف ولكثير من أبناء جيله حلما ولا تكتمل رؤيتهم للحياة دون زيارتها. ويقول إن القادم إلى باريس يتخيلها في "صورة ذهبية موروثة لم ينج منها جيل... المرأة تملأ عيون وخيال القادمين إلى أوروبا مشوشة عليهم إقامة علاقة عادية طبيعية... وهي امرأة متخيلة متوهمة... تنسجها الرغبة واللهفة والاغترار." وعن عالم المعرفة في باريس يسجل أنه يتيح للباحث أكثر مما يريد فالمكتبات متعددة وفي الجامعة يجد الدارس ما يحتاج إليه من مصادر ومراجع ومخطوطات لا يعاني كثيرا في الوصول إليها كما لا يبخل الأساتذة بالمشورة والتوجيه.