تخيلوا: ثلاث سنوات كاملة لم أمارس فيها فضيلة حساب النفس، وسؤال النفس، وضبط النفس. على فكرة: أنا لم أفعل ذلك من قبل، فلست من أولئك الأخيار الذين يقولون إنهم يفكرون كل ليلة فيما فعلوا، لكن السنوات الثلاث الماضية- تحديدا- لم تترك لى رفاهية أن أكون من الأخيار، لكنى وجدتها فرصة مع نهاية عام يُشيَّع إلى القبر- تعبير قاسٍ جدا لا أعرف لماذا كتبته- لأن أُقلّب فى أوراق سنوات الثورة التى تتم عامها الثالث بعد أيام، وهى سنوات صعبة لمن عاشوا على أطراف أعصابهم، و«طراطيف» أصابعهم مثلنا. المهم، وكيلا أطيل عليك، فقد وجدت فى أوراقى قصتين، ربما تكون حضرتك طرفا فيهما، لعلك قرأت ماكتبته وقتها، وشعرت بما أشعر به الآن. أنا يا أخى لم أكن يوما قاسيا فى وصف الأشخاص، لم أستقو بموهبة لا أزعم أنى أوتيت جوامعها، ولم أكن مغترا بنصر لم أحققه، لكنى- بصراحة- لا أسلم أحيانا من «وزّات» الشياطين. أيوه.. الشيطان وزّنى على أسامة سرايا! هو بالمناسبة شخص لا تملك إلا أن تختلف معه، وأن تحبه فى وقت واحد، وقد اختلفت معه يوم 24 يناير 2011 وكان لايزال رئيسا لتحرير الأهرام، وكنت أزوره فى مكتبه، قبل الثورة بيوم واحد، يومها قال لى بالنص: «أنا قدمت خدمات لنظام مبارك أكثر من التى قدمها هيكل لجمال عبد الناصر». طبعا هذه وجهة نظره، هو حر فيها، وله أن يتمسك بها، أو يتراجع عنها، هذا ليس شأنى، لكن الذى حدث أن اتفقنا على أن أجرى معه حوارا لنشره فى مجلة الشباب التى كنت مديرا لتحريرها فى ذلك الوقت، لكن الثورة قامت، وغادر «سرايا» موقعه، وغاب عن الأنظار لفترة، وتوليت أنا رئاسة تحرير مجلة الشباب، ثم التقينا فى شهر يوليو 2011، أى بعد ما يقرب من سبعة أشهر، فكررت رغبتى فى إجراء الحوار معه، فأبدى ترحيبا، ما لبث أن تحول إلى كرم، عندما اختار أن نجرى الحوار فى مكتبى. جاء الأستاذ أسامة، وأجرينا الحوار، وأجاب عن كل الأسئلة- أشهد أنه كان صادقا، ولم يكن من المتحولين، رغم اختلافى معه فى الرأى. الحوار كان طويلا، فكتبته على حلقتين، نشرت الحلقة الأولى منهما فى عدد مجلة الشباب الذى صدر يوم 1 أغسطس 2011، هنا لعب الشيطان لعبته! اخترت صورة بدا فيها أسامة سرايا منفعلا جدا، وكتبت تحتها «فاكرينه»، وجعلتها غلافا للعدد. كم كنتُ قاسيا ومغرورا حين غمرتنى النشوة، والحروف تأتلف أمام عينى لترسم كلمة لها معنى! كم كنت شريرا، حين توهمت أن الكلمة مهما بلغ جمالها ستظل «عانسا» حتى تجد هذه الصورة لتكمل بها نصف دينها! أستاذ أسامة- بجد: أنا آسف مرتين، مرة لأنى فعلتها فسببت لك ألما، ومرة لأنى لم أتفهم زعلك وقتها، وكنت أتوهم أن هذه هى«المهنة» وأنها هى التى ستحكم بيننا بالحق، ولم يكن معى أى حق. أما أمير قطر، فدعه للأسبوع المقبل بإذن الله.