كنت أبحث عن المركز. هذا ما فهمته من قراءتى اليوم لذلك الكراس الصغير الذى صاحبنى طوال العام. كان عام 2013 هو عامى الأول الذى أسجل فيه بشكل منتظم - ثلاث أو أربع مرات فى الشهر- لمحات من دراما حياتى الداخلية. وأدركت وأنا أقرأ العام كله دفعة واحدة أننى بدأت بفكرة وظلت معى. سأعود هنا إلى بدايات 2013 حين نظرت إلى عام 2012 وانزعجت. بدا هذا العام بلا ملامح وبدون إنجاز حقيقى، وللإنجاز فى قاموسى مستويان: الأول هو الإنجاز العملى (اشتغلت، كتبت، فعلت كذا وكذا..)، والثانى هو إنجازاتى الجوانية. وكلما زاد عمرى عاما ثقلت كفة ميزان ما هو جوانى وطالبت لنفسها بالمزيد من الوقت للتأمل والتفكير أو حتى للسكون التام. ومع إدراكى لما فعل 2012 بعالمى الداخلى بدأت أتفحص المشكلة، وتوصلت إلى أن البوصلة التى تهدينى إلى ما أسميه «المركز» - نقطة المنتصف - تلك الجزيرة الهادئة خافتة الضوء داخلى التى تقبع فى قلب بحر هائج- هذه البوصلة قد ضاعت، وأطاحت بتركيزى ووضوح رؤيتى. أصبح العالم هو السيد وما أنا إلا ردة فعل له، مجرد مركب صغير يتقاذفه بحر مجنون. ولهذا كان أول قرارات 2013 هو تقمص دور السندباد والعثور على الجزيرة لا لكى أهرب، ولكن لكى أبعد قليلا علنى أفهم. وبدأت بالتدريج أتبين موقع نقطة الهدوء. أفكر وأقرأ وأشتغل وأسمع موسيقى وأتحرك فى صخب القاهرة وأفكر فأجدنى هناك- حتى لو كنت وسط جيش من البشر. وعندما تهب عاصفة تطيح بى إلى قلب الموج أبقى عينى مصوبة نحوها، آملة من الرجوع. وهناك عمل مستمر لا ينقطع، فعندما أمتلئ بالحزن أو الغضب، أفتش داخل نفسى عن الفهم، ولو ناوشنى الإحباط بحثت عن النجوم الفضية الصغيرة الملقاة على الأرصفة- ألتقطها وألمعها وأعيدها للسماء مرة أخرى. تتالت صفحات الكراس أمام عينى. نزفت فوق ورقها المصفر غير المسطر ألما وخذلانا وراء آخر. لم أشعر بالشفقة تجاه نفسى، بل رأيت بوضوح كيف كنت شريكة ضالعة فيما حدث لى: إما أننى عجزت عن الرؤية، أو رأيت وتجاهلت ما عرفت، أو ربما كان يجب أن أفعل أو أقول ولم يحدث. وفى السماء المعتمة بالوجع ومضت لحظات بهجة متتالية: ناس حقيقيون، أصحاب، قلوب ملآنة بالمحبة، وأرواح مفعمة بالشغف كان مجرد وجودهم ينتشلنى دوما من الوقعات المتكررة. ووجدتنى أشعر بالامتنان للوجع لأنه الأستاذ والمرشد والمعلم، وللبهجة التى طبطبت عليّ وهدهدت روحى وهى تهمس «لا شىء يضيع هباء». وتذكرت جملة جلال الدين الرومى التى كتبتها فى أول صفحات الكراس: «أنا فكرة فى حالة تشكل. أنا تحفة فنية لم تكتمل بعد». وابتسمت للعام الجديد.
