يستخدم الثوار فى دول المغرب العربى تعبير «الاستقلال الثانى» للدلالة على أن الثورة ضد الاحتلال الفرنسى فى المغرب وضد الاحتلال الإيطالى فى ليبيا كانت ضد الاحتلال الأجنبى، وأن البلاد فى حاجة إلى الثورة ضد الاحتلال الوطنى لتحقيق الاستقلال الثانى. وقد أطلق العالم على الجنرال جرازيانى، قائد قوات الاحتلال الإيطالى، لقب «جزار ليبيا»، لما عرف عنه من فاشية مثل قائده موسولينى، وكانت مصر فى العشرينيات والثلاثينيات ترسل السلاح إلى ثوار ليبيا بقيادة عمر المختار حتى إن جرازيانى عندما تفاوض معه طلب المختار حضور مندوب من مصر فى المفاوضات، فلما سأله جرازيانى: وما علاقة مصر بالموضوع أليست بلداً آخر؟، فرد عليه المختار: هى بلد آخر ولكنها مصر. وخطاب القذافى أمس الأول، فى مواجهة ثورة الشعب التى بدأت 17 فبراير (انظر مقال صوت وصورة يوم 30 يناير) وعنوانه «شتاء الغضب العربى الذى بدأ فى تونس ولن ينتهى فى القاهرة»، هذا الخطاب يؤكد فعلاً أنها ثورة من أجل الاستقلال الثانى ضد جزار ليبيا الثانى، وكما وقف «العالم الحر» يتفرج على ثورة تونس وثورة مصر فى التليفزيون، كذلك وقف يتفرج على ثورة ليبيا، لكن الأمر فى ليبيا يختلف، ليس لأن الجيش يقتل الشعب، فلم يعد هناك جيش فى ليبيا، وإنما لأن ميليشيات القذافى تقتل إخوتنا فى ليبيا، وليس فى مقدور مصر أن تفعل كما فعلت فى الثلاثينيات، لأن الثورة ضد الاحتلال الوطنى وليست ضد الاحتلال الأجنبى، وإن كنت أرى التدخل العسكرى لأسباب إنسانية وأخلاقية. بعد أن استولى الملازم قذاف الدم على السلطة فى ليبيا وغير اسمه إلى القذافى ومنح نفسه رتبة عقيد جاء إلى مصر بعد الثورة عام 1969، وذات يوم طُلب من بعض كتاب جريدة «الجمهورية»، ومنهم كاتب هذه السطور، الذهاب لحضور لقاء بين القذافى وقيادات الحركة النسائية فى مصر فى مقر الاتحاد الاشتراكى، ولا أنسى ما حدث فى ذلك اليوم أبداً، فقد كتب القذافى على سبورة سوداء: 1 الدورة الشهرية، 2 الحمل، 3 الرضاعة، وقال إذا كان الرجل لا تأتيه الدورة الشهرية، ولا يحمل، ولا يرضع مثل المرأة، فكيف تقولون إن الرجل مثل المرأة! ووقتها لقنته لطيفة الزيات رحمها الله درساً لا ينساه عاقل، ولكن المؤكد أن القذافى قد نسيه مع نهاية اللقاء! خرجت من هذا اللقاء على يقين من أن ليبيا وقعت بين أيدى رجل بسيط العقل إلى درجة لا تمكنه من حكم أسرته فما بالك بحكم شعب، ومن يومها لم تطأ قدمى ليبيا ورفضت كل الدعوات لزيارتها، وحزنت على كتاب مصر الذين كتبوا عن «إبداعه الأدبى»، وغضبت من صديقى جابر عصفور الذى قبل جائزة القذافى للأدب، وسوف ينتصر شعب ليبيا كما انتصر شعب تونس وشعب مصر. [email protected]