بعد يوم واحد من انتهاء زيارة الرئيس الليبى معمر القذافى إلى إيطاليا، عرض الفيلم الأمريكى «عمر المختار» أو «أسد الصحراء» بالإنجليزية على شاشة قناة سكاى إيطاليا بعد أن منع بقرار رسمى منذ عام 1981، وذلك «لإهانته الشرف العسكرى الإيطالى» على حد تعبير القرار. كانت زيارة الرئيس الليبى أول زيارة رسمية يقوم بها إلى إيطاليا بعد 40 سنة من حكم ليبيا، وأول زيارة لحاكم ليبى منذ أن احتلت إيطاليا ليبيا عام 1911، وهو الاحتلال الذى استمر حتى استقلال ليبيا عام 1951، وقد اصطحب القذافى معه حفيد قائد المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإيطالى عمر المختار الذى أعدمته قوات الاحتلال شنقًا عام 1931، ووضع القذافى على صدره صورة صغير لعمر المختار، وهو يتجه إلى المشنقة فى تعبير واضح أننا يمكن أن نغفر، ولكننا لن ننسى. عرض الفيلم فى إيطاليا ينهى عار منعه، والجنرال جرازيانى هو الذى لطخ شرف إيطاليا العسكرى عندما كلفه موسولينى زعيم الحزب الفاشى بعد تولى الحكم عام 1922 بقمع المقاومة الوطنية، وبلغ عدد ضحاياه فى ثلاث سنوات أكثر من مائتى ألف ليبى فى حرب إبادة جماعية، وكان يحيط «الأسرى» بأسلاك شائكة فى الصحراء ويتركهم يموتون من العطش والجوع والأوبئة، ولبث الرعب فى القلوب كان يلقى ببعضهم أحياء من الطائرات. وكانت مصر السند الوحيد للمقاومة الليبية سياسيًا وعسكريًا، وعندما أعدم عمر المختار وهو يناهز التسعين من عمره شهدت مصر غضبة عارمة، وتألفت لجنة لإقامة حفل لتمجيده، ومنعت حكومة صدقى الحفل استرضاء لإيطاليا التى اهتزت بسبب الحملة المصرية ضد فظائعها، ولكن الحفل أقيم فى بيت آل الباسل، الذين اشتهر منهم حمد الباسل أحد قيادات ثورة 1919، وفيه ألقى أمير الشعراء أحمد شوقى رائعته عن الشهيد، التى يقول فيها: وأتى الأسير يجر ثقل حديده أسد يجر حية رقطاء عضت بساقيه القيود فلم ينأ ومشت بهيكله السنون فناء تسعون لو ركبت مناكب شاهق لترجلت هضباته إعياء الآن، وبعد عرض الفيلم فى إيطاليا، تهنأ روح مخرجه مصطفى العقاد «1930- 2005»، الذى لم يخرج فى حياته سوى فيلمين: «الرسالة» 1976، و«عمر المختار» 1980 واللذين يحملان الجنسية الأمريكية، ولكنهما يعبران عن الهوية الثقافية العربية الإسلامية أعمق من مئات الأفلام العربية، ومن نكد الدنيا أن يموت العقاد ضحية العملية الإرهابية التى وقعت فى الأردن عام 2005 باسم الدفاع عن العروبة والإسلام. [email protected]