ازدحام الطرقات بشكل لا يتحمله عقل ولا يقبله منطق بالإضافة إلي صوت آلات التنبيه التي تصب جحيمها في أذنك دون سابق إنذار و سماع مئات التعليقات و التحليلات السياسية هي ضريبة الوصول إلي ميدان التحرير دبابات القوات المسلحة و درع بشري من اللجان الشعبية في المقدمة ، يتوجب عليك إبراز بطاقتك الشخصية و السماح لأحد عناصر هذا الدرع البشري بتفتيشك هذه هي إجراءات عبورك إلي الميدان ، و ما أن تدلف إلي داخل الميدان حتي تعلن لك لوحات تحوي صور الشهداء عن نفسها بقوة و هتافات صادقة سرعان ما تتجاوب معها ... المنظر هنا عجيب حقا ، خليط غير متجانس من البشر ، أفواج هائلة جاءت من كل صوب و حدب اجتمعت – على اختلاف انتماءاتهم الفكرية و الاجتماعية – على هتافات يؤمنون بها ساعين إلي تحقيقها ، يمكنك أن تتجاذب أطراف الحديث مع مهندس أو طبيب أو محامي ولا تخلو القائمة من بعض الحرفيين و الطلبة حتى إنني تحدثت مع شخص استمتعت معه كثيرا و في النهاية سألته عن عمله فلاحظت انه لا يريد الإجابة إلا إنني أصررت فقال لي انه كان يعمل بالسرقة لكنه عازم على التوبة و يمكنني التأكد من ذلك بتحسس جيوبي ! هنا في ميدان التحرير تجد الشاب و الطفل و المسن ، تجد المحتشمة و المتبرجة ، الملتحي و من أطلق العنان لشعرة على طريقة دبور ! هنا أيضا تجد ارقي و أكمل أنواع الخدمات و بأسلوب حضاري بعيدا عن التعقيد و الروتين فتجد مثلا احدهم يحمل المياه إليك و أخر علق على صدره ورقة كتب عليها "هنا كنتاكي " يقدم لك بعض اللقيمات ، تجد أيضا شباب و فتيات شغلهم الشاغل جمع القمامة الكل هنا متعاون و متحضر بدرجة تجعلك تتساءل عن جنسية الشباب السلبي هل كان حقا مصري و إذا كان فمن الذي تراه أمامك ؟! هنا لم أجد شاب يتحرش ، لم أجد من يتفوه بألفاظ نابية ، لم أجد فرق بين الطبيب و النقاش ولا فرق بين الرجل و المرأة ولا فرق بين الهلال و الصليب ! هنا يوجد مستوي حضاري عالي و أداء خدمي " خاص " مثالي في شتي المجالات المتاحة ، حسن الخلق هنا هو السمة الغالبة ، هنا أيضا توجد مستشفي ميداني تعمل على مدار الساعة يتسم موظفيها بسرعة الانجاز و دقة التنفيذ ، هنا لا احد يهمه من أين جئت ، هنا لا يشفع لك عملك أو مكان إقامتك أو انتمائك السياسي في تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعت لتحقق مبدأ مهم هو " التظاهر السلمي " هنا تنافس الشوارع فيما بينها على أن تكون نظيفة الصراحة و الصدق في المعاملات تجعل عيناك تفيض بالدمع هنا توشك منطقة التحرير على أن تكون منطقة فاضلة غير أن أهم مميزات المنطقة الفاضلة هي السعادة فهل يحقق النظام الحاكم لهذه الجموع الغفيرة هذه الميزة لتصبح بحق منطقة التحرير " منطقة فاضلة " ؟