بعد أكثر من أربعين عاماً محامياً فى المحاكم المختلفة على مستوى الجمهورية، كنت وما زلت على يقين أنه فى مصر قضاء عادل، وأن بيننا قضاه شرفاء، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، أن يبقى العدل صوت الخالق بين عباده.. القاضى ليس شخصاً يجلس على منصة محكمة، ولكنه ضمير حى يتحرك بين الناس، وميزان عدل يحكم بينهم.. فعندما يجلس على منصة القضاء، ويقف أمامه الخصوم بمنازعاتهم يتجادلون ويتخاصمون، وكل يرد على الآخر حجته تعرف أنهم لم يتفقوا على شىء قط، إلا أنهم يطمئنون إليه ويثقون فى أنه بالاقتناع وحده سيحكم لأحدهما، بما يدعيه على الآخر.. وإذا كان لك أن تستطرد فى التأمل، فستعرف أنه لولا ثقتهم فى حيادته واستقامته، ولولا ثقتهم فى قدراته على أن يحكم بما يقتنع بأنه الحق والصواب، لما أتوا إليه.. إننى أطمع فى بداية العام القضائى أن يعوض الخبراء فترة التوقف التى عطلت الفصل فى القضايا المدنية، التى تبلغ أكثر من نصف مليون قضية.. كما أننى أطالب بإلغاء لجان فض المنازعات التى لا مبرر لها، إذ إنها السبب فى تراكم القضايا الإدارية، ولا أعرف حتى الآن ما هى الغاية من هذا القانون العجيب؟! لماذا لا نستفيد من مستشارى هذه اللجان، وهم قامات عالية يحج لها مع وقار السنين وجلال المشيخة حكمة السنين يفىء إليهم وإلى علمهم وحكمتهم وخبرتهم أعضاء الهيئة القضائية الشباب أن يلحقوا بمحكمة النقض بدلاً من هذا العبث المسمى بلجان فض المنازعات، وهناك أكثر من 600 ألف قضية فى محكمة النقض لا تستطيع طاقة المحكمة استيعابها.. ويبقى أخيراً زيادة الرواتب لهم بقدر الإمكان، فماذا لو شعر القاضى ووكيل النيابة أن الراتب الذى يتقاضاه لا يكفى احتياجاته الطبيعية!! لو أن هذا القاضى رجل شريف وشعر بالاحتياج، ففى أقل الاحتمالات لن يكون مرتاحاً أو ذهنه خالياً كى يفهم وقائع المشكلة، أو القضية المعروضة أمامه.. بصراحة لن يتطور هذا المجتمع والعدالة غائبة عنه، أو بطيئة فيه.. وبوضوح شديد لن يتقدم المجتمع خطوة للأمام، وسيفقد المجتمع الثقة فى كل شىء طالما أن العدالة غائبة أو بطيئة. محامى بالنقض