فى أعقاب ثورة 1919، وبعد استقرار الأمور وعودة سعد زغلول إلى القاهرة، ذهب حافظ دنيا لمقابلته فاحتفى به كثيراً، وقال له سعد «يا ابنى لو كانت ثورتك نجحت وكذلك ثورتى، لكان لنا شأن آخر فى مواجهة الاحتلال»، ثم منحه 50 جنيهاً كتعويض بسيط عما فقده «دنيا»، كان الرجل الثائر قد فقد أمواله وأطيانه فى سبيل الدفاع عن مصر ومقاومته الاحتلال، التى انتهت بصدور حكم من الإنجليز بإعدامه قبل أن يتم الإفراج عنه بضغوط من الثوار.. «دنيا» قاد ثورته فى فارسكور على مبادئ سعد زغلول، ولقبه الثوار ب«ملك دمياط» . وبمنحة سعد زغلول تمكن الثائر حافظ دنيا من تعليم أولاده، خاصة ابنه الأكبر محمود، الذى ألحقه بمعهد دمياط الدينى، حيث حفظ القرآن، لكن إرادة والدته وإصرارها على أن يصبح طبيباً غيرا مسار حياته. انتقلت العائلة للقاهرة، وتمكن من دخول مدرسة السعيدية الثانوية ليجلس إلى جوار أبناء الأمراء والباشوات وليتفوق عليهم علمياً، وكانت أمنيته أن يقابل سعد باشا كما قابله والده، لكن الزعيم توفى قبل ذلك، وتم اختيار محمود من بين الطلاب للمشاركة فى تأبين سعد بآيات من القرآن، لكن تأبينه ل«أحمد شوقى» كان مختلفاً حيث رثاه شعراً. ورغماً عن إرادة والدته وبمباركة والده، قرر محمود حافظ تغيير تخصص دراسته من الطب، وذلك بعد إلحاح من مدير الجامعة المصرية أحمد لطفى السيد، الذى رغب فى خلق جيل من العلماء الشباب.. ولم يخيب الرجل ظن لطفى السيد، وتخرج أستاذاً جامعياً وعالماً شهد الجميع بفضله فى الداخل والخارج، خاصة فى علم الحشرات الذى حصل على درجة الدكتوراة فيه عام 1940 من بريطانيا، كأول مصرى يتخصص فى هذا العلم، وزاد على ذلك معرفة عميقة باللغة العربية اعترف بها طه حسين نفسه. وبرحيل الدكتور شوقى ضيف عام 2005، تم اختيار «حافظ» بالإجماع رئيساً لمجمع اللغة العربية، وخلال العام الماضى، وافق الرئيس مبارك على المد لمحمود حافظ أربع سنوات جديدة تنتهى والرجل فى العام الثالث بعد المائة من عمره المديد.