دعنا نخترق أسوار الأحداث و نعبرها لنتأمل جيدا لماذا تلاحقنا الأزمات بل نتوارثها جيلا بعد جيل و تتفاقم لدرجة تستعصى على الحل لأننا للآسف نتبنى ثقافة كارثية بكل معنى الكلمة وهى ثقافة المسكنات تلك الثقافة التى لا تبحث فى حل للمشكلة بل تلبى حاجات وقتية عرضية تعمل على تسكينها مع بقاء جذور المشكلة ضاربة فى العمق و تلك الجذور تحتاج إلى جهد للكشف عنها فأننا لا نقدم على ذلك الجهد و نبحث عن مسكن طبيعى للمشكلة يخفف من آلامها و أعبائها ولكنها تظل موجودة و مستترة إلى أن تظهر مرة أخرى ولكن بصورة مضاعفة ويتفاقم وجودها وتتوحش حتى لا يستطيع الإنسان التى وقعت عليه تلك المشكلة أن يتحملها فتتحول أمامه إلى أزمة كبرى كجبل يقف حجر عثرة فى مسيرته لتوقفه عن النمو و التقدم بل يمكن أن تهدد بقائه و أمنه و تعمل على تقويض إستقراره بما لا يتيح له الفرصة فى التفكير العقلانى الذى يمكنه من التعايش مع الأحداث و أن يكون على مستوى مسئولية الحدث الذى قد يجعله يخرج عن شعوره ويتصرف تصرفات هوجاء تجعله يجرى وراء المسكنات لكى يخفف آلامه ويبحث عن شتى الطرق و الوسائل التى تمكنه من رأب الصدع و ترميم الشروخ النافذة فى حياته ولكنه لا يرى أن الأساسات تآكلت و حديد المنزل تعرض للصدأ دون معالجة فأصبح بيته معرضا للانهيار مع أضعف هزة أرضية خارجة عن نطاق سيطرته نحن جميعا يجب أن نقف ضد تلك الثقافة المدمرة لأن مشاكل وطننا الغالى أصبحت مثل القنابل الموقوتة التى لابد من أن نسعى جاهدين إلى إيقافها قبل أن تنفجر فينا فى أى وقت من خلال أن نبذل جهدا أكبر للبحث عن جذور تلك المشاكل ونقدم حلول تجتث تلك المشاكل من جذورها حتى لا تظهر على السطح مرة أخرى فيجب علينا معالجة أسباب الداء و ليس تسكين أعراضه لاننا لو تمكننا من معرفة الأسباب الحقيقية لما نواجه من أحداث وكيفية التعامل معها بطريقة تجعلنا نتغلب عليها و لا تتغلب علينا من خلال تقديم حلول ناجعة فاننا نجد أنفسنا أننا تحولنا من ثقافة المسكنات إلى ثقافة العلاج لأننا أصبحنا كالطبيب الماهر الذى يشخص المرض جيدا بتحليل أسبابه لتمكنه من تحديد المنظومة العلاجية الملائمة ليقضى على المرض قضاءا مبرما حتى لا يعود المرض للمريض مجددا مشاكلنا كثيرة من قضايا فقر و بطالة و إنهيار منازل و عشوائيات و بلطجة و تحرش جنسى و أمراض مزمنة و أسعار مرتفعة و تدنى مستوى المعيشة و بنية أساسية متهالكة الخ قضايا كثيرة لا يمكن حصرها و ما خفى كان أعظم تحتاج منا إلى حلول غير تقليدية من خلال تبنى منهج الثقافة العلاجية الإبتكارية و ذلك يحتاج إلى إعادة بناء فكرى لكافة مؤسسات الدولة بما فيها فكر المسئولين الكبار حتى تتبنى تلك المؤسسات ذلك المنهج لحل المشكلات المزمنة التى تفاقمت نتيجة إهمالها من جهة و من جهة أخرى أن المنهج الفكرى للدولة ما زال يقدم مسكنات للمجتمع لا ترتقى حتى لأن يقال عنها أنها تنقذ من يقع فى المشكلة بل تجعله يزداد حيرة و نقما على الدولة التى تهمل إحتياجاته و تعبث بمصيره بصورة تجعله يشعر بالقلق والإضطراب نتيجة الإهمال الممنهج من قبل الدولة لتلك القضايا التى تجعل المواطن فى مهب الريح ليس لديه الحد الأدنى من الوسائل التى تجعله يقاومها لأن الدولة تركته و مشاكله مع مسكنات وقتية لا تزيل الألم عنه و لكن مسكنات خاطئة تزيد من اعيائه و مرضه فتطول فترة العلاج ويصبح العلاج بعدها غير مجدى و لا أمل فى شفائه لأن المرض قد إستفحل فى كافة أرجاء جسده النحيل فلا يقوى على مقاومته و لا يقدر على أن يتعايش معه فيصبح كارها للبقاء فى حياة لا تقدم له علاجا ناجعا يشفى غليله و أن يعيش فى مجتمعا يتبنى ثقافة المسكنات التى تقول له دائما أن بقاء مشاكلك أصبح قدرا محتوما لك وخذ هذا المسكن مؤقتا حتى لا تشعر بالألم و عندما يظهر لك الألم مرة أخرى ولو بصورة مضاعفة فسوف نقدم لك مسكنا آخر ولكننا لا نضمن لك عند تفحل المرض أننا نستطيع أن نقدم لك شيئا يذكر سوى أن نتركك ليحدد لك القدر مصيرك المحتوم من هنا نرجو تغيير النمط الفكرى الذى نحيا به فى مجتمعاتنا العربية لحل المشاكل و القضايا التى تواجهنا ونشعر بأننا جميعا مسئولين و متضامنين لحلها و تقديم حلول جذرية لها من خلال إيماننا بمنهج أشمل و أعمق منهج الحل العملى للمشكلة من أن نقف مكتوفى الأيدى و معصوبى الأعين بتجاهلنا للمشاكل من خلال العمل على إخفائها او عدم التحدث عنها كأننا بذلك قدمنا أقصى ما يمكن تقديمه بالسكوت عنها وتبقى الأزمات تواجه المواطن وتقضى على أحلامه و طموحاته التى يفقدها يوما بعد يوم نتيجة الإهمال المتعمد من قبل الحكومات لما يشغل بال المواطن.