عندما نجحت إسرائيل فى إلحاق الهزيمة بالعرب عام 1948 لم تمجد انتصاراتها بالأغنيات الحماسية، بل راحت تخرج للخطر أينما كان، وتخطط لإضعاف مصر التى كانت ولاتزال تعتبرها حلمها التوراتى وتحاصرها تدريجيا دون أن تحرك حكومتنا ساكنا، تحاصر قطاع غزة عمقنا الاستراتيجى وتضيق على سكانه الخناق أملا فى أن ينفجروا، كى تدفع مصر الثمن، مع ذلك لم تحرك حكومتنا ساكنا، بنت إسرائيل جسور العلاقات مع دول حوض النيل وأرسلت إليهم خبراء المياه والسدود وعكرت صفو علاقتهم بنا وحرضتهم على توقيع معاهدة جديدة حول مياه النيل بما يؤثر سلبا على حصتنا المائية، لم تحرك حكومتنا ساكنا، عززت إسرائيل الخلافات فى دارفور ودعمت سكان جنوب السودان فى الاستقلال عن شماله مما يمثل خطرا على أمننا القومى، ولم تحرك حكومتنا ساكنا، سربت إسرائيل إلينا أنواعاً من الزراعات الخطرة على التربة وأسمدة ومبيدات محرمة دوليا، وتسببت فى الإضرار البالغ بصحة المواطنين.. ولم تحرك حكومتنا ساكنا، كشفت أجهزتنا الأمنية المحترمة عن شبكة تجسس اخترقت بها إسرائيل بعض مرافقنا الحيوية، لم تحرك حكومتنا ساكنا، يوم الثلاثاء الماضى أعلنت سلطات مطار القاهرة حالة الطوارئ لاستقبال مئات اليهود القادمين من المدن الإسرائيلية للمشاركة فى الاحتفال بمولد سيدهم أبوحصيرة الذى يقام سنويا بقرية ديمتوه بدمنهور ووضع الأمن لحماية الإسرائيليين الوافدين وهم حوالى ثلاثة آلاف رجل، علما بأن هناك روايات كثيرة تشكك فى وجود حاخام يهودى بهذه المنطقة أساسا، ورغم إصدار القضاء الإدارى حكما بوقف هذا الاحتفال منذ سنة 2001 ثم إصداره لقانون آخر يرفض مزاعم وزير الثقافة باعتبار مقبرة أبوحصيرة من الآثار الدينية، ومع ذلك لم تحرك الحكومة ساكنا واكتفت بأن تغض الطرف عن أحكام القضاء وكأنها ترسخ فى الأذهان أن إسرائيل فوق القانون وأن طلباتها أوامر حتى لو كانت ضد أمن الناس ومصالحهم ورغباتهم حتى لوكانت تستفز مشاعرهم وتنتهك حرمة شهدائهم إن إسرائيل بما تقوم به من انتهاكات وتجاوزات إنما تضع نصب عينيها مصلحة شعبها وأمنه القومى، أما حكومتنا هذه فلمصلحة من تصمت؟ ولماذا تصر على أن تقف موقف المتفرج على إسرائيل وهى تحاصرنا تدريجيا وتنتهك سيادتنا وتتجسس علينا وتتحرك بمنتهى الحرية داخل أراضينا ؟ وماذا لو انقلبت الآية واكتشفت إسرائيل أن مصر هى التى تتجسس عليها وتخطط مع دول أخرى لتهديد أمنها، هل كانت ستقف نفس الموقف الرسمى لمصر؟ هل كانت ستقبل السلام معنا وتدعمنا بالغاز وتحرسنا ونحن نزور أم حصيرة فى القدس؟ أى حكومة ذكية فى العالم المتحضر، لا تتفرج على المخاطر وهى تحاصر شعبها، لا تؤثر السلامة حرصا على أمنها، لا تحركها الأحداث على حسب الريح، أما حكومتنا الذكية جدا جدا، والمولودة خارج رحم الشعب، فقد أسلمها خوفها من كل شىء لضعفها فى كل شىء، فلم تعد ترى الناس بقدر ما ترى نفسها، ولم تعد ترى سوى أن الإسرائيليين هم الأولى بالرعاية والدعم وأن المصريين مجرد جاليات أجنبية نصيبهم الفتات، ولم تعد تتصور سلامتها إلا فى تأمين الأعداء وضمان القهر لأصحاب البلد الأصليين، حكومة بهذا الفكر وهذه التوجهات هل تصلح أن تكون حكومة مصرية؟