شهادة المهندس أحمد عز، أمين التنظيم فى الحزب الوطنى، على انتخابات برلمان 2010، لا يمكن أن تمر بسهولة، خصوصاً أنه من الواضح، أن الرجل قد احتشد لها جيداً، فجاءت فى ثلاث مقالات فى الأهرام.. كل مقالة على صفحة كاملة تقريباً، مع تنويه «الأهرام» قبلها بفترة بأن فلاناً من قادة الحزب الوطنى، سوف يقدم شهادته، على ما جرى فى الانتخابات، وأن علينا، كقراء للصحيفة، أن ننتظرها، وأن نتحراها فى موعدها! أتوقف - مثلاً - أمام المقالة الثانية المنشورة صباح الجمعة الماضى، وفيها يحلل المهندس عز أسباب إخفاق رموز «الوفد» فى الانتخابات، ويتناولهم واحداً واحداً، بحيث يبدو وكأن صاحب المقالة كان قد كلف جهازاً لديه، برصد مرشحى الوفد، مرشحاً وراء الآخر، أين ذهب فى دائرته، وكيف تحرك.. متى جاء، ومتى انصرف.. إلى آخره! فالقطب الوفدى منير فخرى عبدالنور، على سبيل المثال، قال فى حوار منشور له يوم 1 نوفمبر 2010، أى قبل فتح باب الترشيح بيومين، إنه لا يعرف عن أى دائرة سوف يخوض الانتخابات! والمرشح الوفدى رامى لكح - مثلاً أيضاً - فاجأنا، كما يقول المهندس عز، قبل الانتخابات بأسبوعين، بأنه سوف يخوضها فى شبرا، بدلاً من الظاهر. والمرشح الوفدى طاهر أبوزيد ظهر فى دائرته للمرة الأولى يوم 8 أكتوبر 2010. ومرشحة الوفد الفنانة سميرة أحمد، فعلت كذا وكذا، فى دائرتها، يوم كذا، والساعة كذا، وبصحبة فلان وعلان من الفنانين! وهكذا.. وهكذا.. ليس فقط مع مرشحى الوفد، من الرموز المعروفة للناس، وإنما مع مرشحين آخرين، عن أحزاب أخرى، وتيارات سياسية مختلفة، كان «لاب توب» المهندس عز لهم بالمرصاد، وكان يحصى عليهم - كما هو واضح من المقالة - كل شاردة وواردة، بحيث يمكن القول بأن أدق تفاصيل حياة كل مرشح كانت حاضرة على خريطة، أمام أمين تنظيم الحزب الوطنى، وكان كل مرشح من هؤلاء، قد تحول على جهاز «اللاب توب»، الذى لا يفارق المهندس عز، إلى رقم، بل إلى أرقام، وجداول، ونسب من المائة، وإحصاءات، و.. و... إلى آخر ما تتيحه لصاحبها تكنولوجيا هذا العصر! وبطبيعة الحال، فإن هذا نوع من الأداء، يستحق أمين تنظيم الحزب الوطنى التحية عليه، غير أننا، فى اللحظة نفسها، يجب أن نلفت انتباهه، إلى أن هذه ليست سياسة.. قد تكون إحصاءً دقيقاً، وقد تكون نوعاً من الرياضة العقلية الممتعة، وقد تكون.. وقد تكون.. غير أنها تتعامل مع الواقع بمنطق أنه، أى هذا الواقع، يمكن تلخيصه، من جانب الحزب الحاكم، فى حزمة من الإحصاءات، والجداول، والأرقام الصامتة، بما يجعله فى النهاية، واقعاً بلا حياة، وبلا حيوية، وبالإجمال: بلا روح! وبمعنى آخر، فإن ما جاء فى المقالة، يشير بوضوح إلى أن الواقع القائم كما هو، هو الذى قاد الحزب الوطنى، فى الانتخابات، فى حين أن العقل السياسى يقول إن هذا خطأ، وإن الصواب هو أن يكون لدى الحزب، فى ظروف كظروفنا، تصور مسبق، ومحدد، هو الذى يقود الواقع ويدفعه فى اتجاه معين.. لا العكس!