- أن يحدث شلل فى مطارات أوروبا بسبب الجليد، فهذه ظاهرة طبيعية جداً تفوق إمكانيات أى دولة تدّعى تفوقها فى التكنولوجيا.. يعنى، بصريح العبارة، لا تستطيع أن تمنع سقوط الجليد على مطاراتها.. فالذى يحدث فى أوروبا الآن من موجات جليد تصيب حركة الطيران بالشلل، يجعلنا نطرح هذا السؤال: كيف نؤمّن ركاب مصر للطيران عندما يدخلون فى مصيدة الجليد فى بلادهم؟ - شركات الطيران العالمية تلقى بركابها خارج المطارات، وكون أن يناموا على الأرض فى الطرقات والممرات أكثر من ليلة حتى تعود حركة الطيران، فقد تعودوا على هذا المناخ أو على الأصح أنهم يعيشون فيه.. لكن المصريين الغلابة - ركاب مصر للطيران - عندما يتعرضون لهذا الموقف تقوم القيامة وكأن الشركة هى التى تسببت فى شلل حركة الطيران وهى التى أغلقت الممرات.. فالذى رأيته فى مطار هيثرو فى لندن، لم أره من قبل.. ربما لأن المشهد غريب على عينىّ.. عائلات مصرية كانت تستعد للعودة إلى أرض الوطن وإذا بالمسؤولين فى مطار هيثرو يعلنون عن غلق المطار.. المصريون هرولوا إلى المسكين مدير المحطة مع أن الرجل لا يملك فى يده عصا سحرية تعيد حركة الطيران إلى طبيعتها وتسمح بهبوط الطائرة القادمة من القاهرة فى هيثرو، بدلاً من هبوطها اضطرارياً فى باريس.. شهامة هشام عبدالوهاب، مدير المحطة، جعلته يكون عنواناً مشرّفاً لمصر للطيران فى الغربة، فهو يعرف أن ركابه من المصريين لم يستعدوا لهذا الموقف، وأن معظمهم أنفقوا ما معهم من عملة هذا البلد.. يعنى «مفلسين» فقام بتوزيع بونات لوجبات غذائية كاملة على الركاب.. ولم يتركهم فى محنتهم.. وكان علىّ أن أحمل حقيبتى وأتجه إلى الباب، بحثاً عن تاكسى يعيدنى إلى لندن، وإذا بعائلة مصرية، الأب والأم من كبار السن والحفيدة التى تبلغ من العمر 9 سنوات، تستغيث بمدير المحطة، الذى كان يقف بين الركاب لمساعدتهم فى العودة إلى لندن.. لكن من أين يأتى لهم بتاكسى.. والحياة قد توقفت تماماً خارج المطار.. اتصل تليفونياً بصديق له فى السفارة المصرية وجاء بميكروباص ليحمل أكبر عدد من كبار السن.. لم يتركهم للصقيع فقد كان ينخر فى العظام بغير رحمة أو هوادة.. وتتوقف الطفلة الصغيرة عن البكاء بعد أن كشف نائب مدير المحطة، واسمه أحمد الوزيرى، عن جدعنته وحمل بنفسه الحقائب إلى سيارة السفارة.. هذا العمل لا يدخل فى اختصاصه، لكن عمال المطار اختفوا فكان موقف الوزيرى مع كبار السن موقف شهامة ورجولة.. أما بقية المصريين الذين فشلوا فى العودة إلى لندن فقرروا المبيت فى المطار.. وكم من أمهات وأطفال ناموا على الأرض.. - وهنا أسأل: لماذا لا تحرص مصر للطيران على ركابها.. بحيث يصرف لكل راكب مبلغ عن كل ليلة يتضرر فيها لمواجهة مثل هذا الموقف؟ فإذا كنا نؤمّن عليه عند الوفاة، لا قدر الله، فى انقلاب الطائرة.. فلماذا لا نؤمّن عليه فى مثل هذه الكوارث الطبيعية؟ على الأقل نحفظ له كرامته. الذى أعرفه ويعرفه كل مصرى أن راكب مصر للطيران فى عصر أحمد شفيق وجد نفسه وقد أصبحت له حقوق مشروعة.. لذلك أقول تعالوا نؤمّن على ركابنا فى الغربة. - سلطات هيثرو طلبت من الركاب أن يتصرفوا.. تخيلوا أكثر من خمسة آلاف راكب بحقائبهم يحتشدون فى صالات السفر، التى لا تتحمل هذا البشر.. والجو خارج مبنى المطار يسحب الأكسجين من جسدك ويجمّد أطراف اليد وعضلات الوجه.. الثلوج على الأبواب والطرقات والممرات وصل سمكها إلى ما يزيد على الثلاثين سنتيمتراً.. فقدماك تغوصان فى زكيبة قطن أبيض ويا ليته دافئ مثل قطن بلدنا.. لكنه كتل ثلجية هشة تبحث عن هواة التزحلق..مطار هيثرو أعلن عن فشله فى إزاحة الجليد من فوق ممرات الهبوط أو الإقلاع.. طائرات الشركات الأجنبية تحولت إلى فئران جبلية بعد أن غطتها الثلوج وهى واقفة فى أماكنها.. إذاعة ال«B.B.C» بدأت تصب هجومها على الحكومة وهى لا تتصور أن يعجز المسؤولون فى هيثرو عن استخدام «الكاسحات» التى تزيح الجليد من الممرات - إخواننا المصريون صرخوا فى المطار وانتقدوا حالة الكسل والتنبلة، التى أصابت عمال المطار، جانب برودهم المعروف وتساءلوا: لماذا لا يستعين المسؤولون فى مطار هيثرو بخبرة الفريق أحمد شفيق، وزير الطيران فى مصر، فلو كان هذا الموقف عندنا لا يمكن أن ينام قبل أن تعود حركة الطيران.. للأسف لم يتعلم الإنجليز كيفية التعامل مع الكوارث الطبيعية.. بولندا، الدولة التى هى أقل منها حضارياً ومادياً، حشدت أكثر من ثلاثة آلاف سجين لإزالة الثلوج والجليد فى المطار والشوارع الرئيسية فيها.. لكن إنجلترا تتحرك ببطء ولم تعد تهمها الخسائر التى تتحملها حركة الطيران العالمى، على اعتبار مطار هيثرو هو أكبر مطار فى العالم من حيث استيعاب حركة الركاب. - ثم ما ذنب الركاب المصريين الذين وصل عددهم إلى أكثر من ألف بعد أن توقفت حركة الملاحة الجوية أكثر من 48 ساعة؟، وعندما بدأت فى التشغيل اشترطت على شركة الطيران تخفيض رحلاتها، فألغت لمصر للطيران خمس رحلات، وأصبح هذا العدد الضخم مطلوباً تسفيره على أربعة أيام.. نفس الحال مع أحد الخطوط العالمية الأمريكية اختصرت له رحلاته إلى أربع رحلات من 16 رحلة يومية، فقد وصلت أعداد الرحلات الملغاة فى هذه الساعات إلى 548 رحلة جوية.. والسبب اختفاء العقل الإنجليزى.. هم يقولون هنا فى لندن.. إن بلادهم لم تشهد مثل هذه الموجة من الصقيع والجليد منذ عام 1910.. ولا أحد يدرى ماذا تخفى الطبيعة من مفاجآت.. فربما حان الوقت لكى يفهموا أن موجات الجليد أصبحت أقوى من إمكانيات البشر.. على أى حال هذه القضية تخصهم.. لكن الذى يخصنا فيها هو تأمين الراكب المصرى. [email protected]