لكل مجتمع عتبة لتحمل غرور حزب أو جماعة سياسية تعرف بعلم السياسة بال«سرشهولد»، متى ما تخطى هذه العتبة انقلبت الأوضاع رأسا على عقب، وهذا ما يسميه عوام الغرب ال«تبنج بوينت»، أى المرحلة التى تنقلب فيها الأمور مائة وثمانين درجة، عكس ما هو مراد لها. وهذا ما حدث مع الرئيس السادات، رحمه الله، فرغم أنه لم يكن يريد إلا الصالح العام، إلا أنه فى لحظة حماس نتيجة غرور القوة، قرر اعتقال أعداد غفيرة من المثقفين والناشطين السياسيين بدرجة تجاوزت ما يمكن أن يقبله المتوسط الحسابى للمزاج والتسامح الخاصين بالمجتمع المصرى، تخطى آداب المجتمع عندما قال عن الشيخ أحمد المحلاوى، الرجل المسن، إنه «مرمى فى السجن زى الكلب». السادات خسر عندما شتم رجلاً كبيراً فى السن، وربما هذا أيضا ما جعل صحفياً مثل إبراهيم عيسى يخسر جمهورا كبيرا عندما استهدف الرئيس مبارك بألفاظ لا يقبل المجتمع أن تقال عمن هم فى عمر آبائنا. رغم أن المصريين أحبوا السادات كرئيس «جاب النصر»، ولكن عندما تخطى عتبة الاعتقالات التى تتجاوز ما تقبله مصر وراح يشتم بما هو خارج عن الذائقة العامة للمصريين، هنا أخرج له المجتمع شخص خالد الإسلامبولى، وكانت حادثة العرض العسكرى الشهيرة فى السادس من أكتوبر عام 1981، ويجب ألا أُفهم خطأ، فأنا من أشد المنافحين عن رؤية الرئيس السادات، وعلى عكس ما يرى البعض فى أن السادات قام بصلح منفرد لم يستفت الشعب فيه، إلا أننى أرى أن السادات كان يمثل روح المجتمع التى ملت الحروب، وقررت أن تعقد معاهدة سلام مع العدو، خطأ السادات الكبير أنه صدّق غرور القوة.. الفارق دائما هو العتبة التى يتخطاها البطل، وقد يكون الثمن تراجيديا كما فى حالة الراحل السادات. الرئيس السادات تخطى ما يمكن تسميته عتبة العنف المقبولة لدى المصريين، تجاوز الخط الأحمر عندما سجن الآلاف من المثقفين والسياسيين فى البلد، وليس بالضرورة أن يكون المجتمع المصرى قابلاً لما فعله هؤلاء المستهدفون والسجناء السياسيون أو أن يشاركهم الاعتقاد، لكنها روح الشعب تنتفض عندما يتخطى الحاكم عتبة العنف المقبولة لدى المجتمع، وهذا لا يخص الحكام فقط، بل يخص النشطاء السياسيين أيضا، فعندما تخطى الإسلاميون عتبة العنف أيضا، وذبحوا السياح كالخراف فى معبد الدير البحرى بقرية القرنة فى غرب الأقصر فى نوفمبر عام 1997، أيضا انتفض المتوسط الحسابى للمجتمع ولفظ الإسلاميين الذين كان يتعاطف معهم، وسحب عنهم غطاء المساندة، إن من هزم الإسلاميين فى التسعينيات من القرن الماضى، لم يكن الأمن كما يتصور البعض رغم تضحيات رجال الأمن التى نشيد بها، إلا أن من هزم الإسلاميين كان هو المتوسط الحسابى لروح المجتمع المصرى، ذلك لأنهم تخطوا عتبة العنف المقبولة لدى المجتمع، المارة فى الشارع المصرى قد يتسامحون معك لو رأوك تضرب فلانا بكف، أما أن تتحرش جسديا بامرأة فى وضح النهار، فتأكد أن من لا ناقة له ولا جمل فى الموضوع سوف يخلع نعله وينهال عليك ضربا، هذا مثال مبسط جدا على المتوسط الحسابى للمجتمع. الحزب الوطنى بلا شك تخطى عتبة الغرور المقبولة لدى المصريين فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولابد أن المجتمع المصرى سيخرج له المتوسط الحسابى المناسب، لن تكون ردة الفعل على غرار الإسلامبولى، لأن مبارك مقبول فى الشارع، ولكن قد يلفظ المجتمع الحزب الوطنى كما لفظ الإسلاميين المتشددين من قبل، أو يتكاتف المصريون عليه، كما فى حالة المارة المشاركين فى الضرب؟ لا نعرف الطريقة التى سوف يرد بها هذا المتوسط الحسابى لروح المجتمع المصرى على الحزب الوطنى، ولكن كل المؤشرات الراهنة والتاريخية للشارع المصرى تقول إنه سيرد هذه المرة. الحزب الوطنى تخطى عتبة الذوق العام، تخطى عتبة التعددية والاعتراف بالآخر، بل كسر «قزاز العتبة» ذاتها مما قد يجرح الكثيرين، ونرجو من الله أن يكون رد فعل المجتمع على هذا الغرور الأرعن، ليس رداً مكلفاً لنا جميعا، بل أن يكون رداً يحافظ على استقرار هذا المجتمع الكبير، رحمة بنا وبالأجيال القادمة.