ناس بلدنا محبطين!! هدتهم أنفلونزا الطيور ثم الخنازير وهما مصيبتان عالميتان. ناهيك عن مصائبنا الخاصة وهمومنا الثقيلة التى أصبحت مزمنة.. إحباطنا مستمر كأننا نقتات الإحباط يوماً بعد يوم. ناهيك عن الإحباط بخراب الذمم والسلع المغشوشة والتى تباع لأعلى سعر ولأفقر فقير. ونأكل الخضروات مملوءة بالسموم من مياه المجارى، وتتخلص المصانع من عوادمها فى مياه النيل والترع، وتصبح دورة المياه بما فيها من سموم تدور منا وإلينا. ناهيك عن التعليم الذى يخاف الناس على أولادهم من إغلاق المدارس والذى هو أفضل بكثير من فتحها، فقد خلف أطفالاً بلهاء لا يعرفون الألف من المصاصة، لأن كوز الذرة أصبح (بلدى)، أما المصاصة فهى المستورد، وجزء من تحويل العيال إلى حيوانات استهلاكية آخر موضة مثل الفضائيات. هذا غير أم الشحات التى تعرفونها بابنها الحيلة، والتى تحول بيتها إلى مخزن بضائع من كل نوع وتدفع شهرياً لأم حنفى أربعين جنيهاً حتى توصل لها توصيلة سرقة لترى المسلسلات.. والكورة. هم ثقيل من علبة الكبريت التى (تولع) وحدها إلى (الكوتشى) الذى ينخلع نعله من أول شوتة فى حارة العتريس فيحزن خيشة لأنه دفع فيه ميت جنيه قبضها من الجمعية اللى شارك فيها لمدة ثلاثة شهور. هم ثقيل حملته أم حميدة لتجهز بنتها من كريمة الدلالة بأربع أطقم عرايسى منها الطقم الأحمر لزوم ليلة الدخلة.. دفعت عشرين جنيه والباقى ع النوتة. هم ثقيل لإسماعيل عرابى وصلت ديونه للكيف لزوم لف السجاير، تسعين جنيه لقرنى صبى المعلم بتاع الباطنية.. ياه حتى الكيف بالتقسيط! ثم ثقيل لشادية ثمن (منطلونين شينس) من أم الشحات وبلوزتين من وكالة البلح من المعونة مستعمل. هم ثقيل لسميرة م الإيجار المتأخر عليها ثلاثة شهور وجوز صاحبة البيت رايح جاى يتحرش بيها وإلا يطردوهم. وهم ثقيل لمصاريف كلية الاقتصاد لابن الحاج عليوة.. ياريت الواد ما جاب مجموع وكان ينتسب أحسن. وهم ثقيل لقسط العربية للدكتور حسن اللى خاله دفع له المقدم هدية وبيشتغل فى ثلاث مستوصفات ولا عارف يخطب ولا يدفع قسط العربية. وهم ثقيل للأستاذ حسن مدرس الرياضة البدنية وأولاده الثلاثة وداخلة العيد ولا معاه ثمن بنطلون واحد! وهم ثقيل لمحمود الحرامى اللى سرق شنطة من عربية واحدة ست طلعت كلها روشتات دكاترة وورق تحاليل وأشعة.. شنطة شكلها كان مليان وست نزلت تشترى دوا من الاجزخانة.. لهفها محمود الحرامى فى ثانية علشان يلحق يشترى دوا الربو لأمه.. كيس الشنطة كل اللى فيه كارنيهات أتاريها خدت كيس الفلوس وهيه نازلة تشترى الدواء.. هم ثقيل حتى للحرامى. هم ثقيل لعسكرى المرور اللى واقف طول النهار وما حدش غمزه ولو بجنيه أو أمين الشرطة بيلف على المحلات ياخد المعلوم.. لكن هو كمان همه ثقيل لازم يبعت لأخوه إيجار البيت مع الطلبة فى إسكندرية! هم ثقيل لمحصل الكهرباء اللى كل ما يروح يلاقى البيوت مقفولة ويسيب الإيصال وما يهونش عليه يبلغ أحسن يقطعوا النور. وهم ثقيل لحسن أفندى اللى راح يستلف من أخته فلوس الكهرباء علشان يرجعوا النور قبل الماتش. هموم كتير.. كما ترون أعزائى القراء هذا عدا هم كل منكم وهمى والذى أنسانا همومنا الخاصة وما أكثرها وما أقساها.. وبإحساسنا المسؤولية العامة حملنا هم كل الهموم الثقيلة فى السطور السابقة. حملنا هم من لا يستطيعون أن يوصلوا همومهم فيحملونها رايح جاى تفكر ليلاً ونهاراً فى مصيبة المصائب والتى أهلكت عقول هذا الجيل، وسوف تهلك مستقبلهم أيضاً. حملنا هم ضياع فلسطين والفلسطينيون مشغولون بخلافاتهم. حملنا هم الجزائريين فى الخمسينيات ووصلنا معهم للنصر فى الستينيات وضربوا أولادنا فى بلادهم فى الألفية الثالثة من أجل ماتش كورة! وجاء مساء السبت ونسى الجميع الهموم الثقيلة وبحلقوا فى التليفزيون والآلاف فى الشوارع والاستاد والمقاهى وألقوا همومهم خلف ظهورهم مع الجون الأول. وجاء الجون الثانى وكأن الهموم ذابت فى رجل (متعب) وأعطته القوة وانفجرت القلوب بالفرحة وخرجوا إلى الميادين وكأن كل المشاكل قد ذهبت، وكل الهموم الثقيلة قد أصبحت ريشاً طار فى الهواء.. والضحكة م القلب.. والفرحة دواء المحبطين.. وأزاحت الهم إلى حين. هذه المقدرة على الفرحة.. هذا التجمع.. وهذه الهمة.. هل يمكنها أن تعيد للمصرى لياقته؟