«ويكيليكس» وجراب الحاوى

انشغلت جميع الصحف فى العالم، خلال الأيام الأخيرة الماضية، بما احتوته وثائق موقع «ويكيليكس»، التى تخص السياسة الأمريكية منذ عام 1966، ولكن الرأى العام العالمى أولى اهتماماً خاصاً بما يتصل بالحقبة الأخيرة، خاصة منذ عام 2000، حيث توالت أحداث جسام، منها الهجوم على برجى التجارة العالميين فى نيويورك، وكذلك الغزو الأمريكى لكل من أفغانستان والعراق، والبطش الأمريكى الوحشى فى البلدين المنكوبين.. وباختصار، صالت أمريكا وجالت فى مناطق الثروات وعاثت فيها «ديمقراطية»!
كما شاهد العالم أجمع فى معتقل جوانتانامو وسجن أبوغريب وما أوكله الجيش الأمريكى الذى رفع لافتة «التحرير وإرساء الحكم الديمقراطى» فى منطقتنا، من مهام «نبيلة» لمرتزقة شركة «بلاك ووتر» التى كانت تقتل المدنيين العراقيين وكأنهم مجرد «ذباب»، وقد نشر موقع «ويكيليكس» فضائح الديمقراطية الأمريكية التى لجأت إلى أبشع الأساليب فى التعذيب من تعذيب وحشى وإذلال وهتك عرض.. وغيرها، مما نصبت نفسها «وصية» على العالم بدعوى تخليصه منها..
لكن من أهم ما توقفت عنده هو قدر التعالى والغطرسة الذى تنظر به أمريكا لقادة العالم، وهو ما لم ينجُ منه لا أعداء ولا خصوم، وبنفس القدر لم ينجُ منه الأصدقاء وحتى الحلفاء.
وقد نشرت الصحف «آراء» الإدارات الأمريكية فى حلفاء واشنطن، وكشفت عن «احترامها» لهؤلاء الحلفاء بالتجسس عليهم بواسطة دبلوماسييها، وهو ما يجعل من مهمة الدبلوماسى الأمريكى مهمة تجسسية بامتياز، وأيضاً «بخسة»، انفردت بها الدول ذات النظم الديكتاتورية من أن كم الازدراء والاستخفاف الذى تنظر به أمريكا لحلفائها يؤكد أنها لا أصدقاء لها ولا حلفاء..
المثير للاندهاش أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون قد وصفت نشر الوثائق التى أيقظت الواهمين والمخدوعين فى ديمقراطية واشنطن ونزعت أقنعة المتغنين بها، بأنه «عمل غير أخلاقى»، وكأن سياسة الولايات المتحدة «مغزولة بالقيم والمبادئ الأخلاقية».. والأكثر مدعاة للاندهاش هو «بجاحة» المسؤولين الأمريكيين الذين يواصلون إعطاء الدروس فى الديمقراطية وحقوق الإنسان «خاصة النموذجين الأفغانى والعراقى وغيرهما».. علق قارئ فرنسى خفيف الظل بأنه يتوقع أن تُظهر الوثائق أن وزيرة خارجية بوش الابن، كوندوليزا رايس عميلة لجهاز المخابرات الروسية!
أى أن وثائق «ويكيليكس» قد قلبت المعايير، وبات الناس فى حيرة من أمر هذه الدولة، التى تقول شيئاً وتفعل نقيضه.. وقد قرأت مؤخراً أن ما توافر لدى الموقع من وثائق ينتمى إلى فصيلة «سرى»، ولكن ملفات «سرى للغاية» لم يتسرب منها شىء، أى أنه لايزال هناك الكثير فى جراب الحاوى الأمريكى - ربنا يستر!!