معظم المؤسسات الحكومية والوزارات والشركات الخاصة، تخصص مبالغ طائلة سنوية لتقديم هدايا ما يسمى «هدايا رأس السنة».. بدءاً من الأجندات والأقلام البسيطة إلى الساعات ذات الماركات العالمية والمشغولات الذهبية والأجهزة الكهربائية المحترمة.. وتتكلف هذه الكيانات الاقتصادية ملايين الجنيهات، تُمنح للشخصيات المهمة بدرجاتها.. وفى النهاية تضيع هذه الملايين تحت بند «هدايا رأس السنة».. وقد يكون هذا السلوك لائقاً فى المؤسسات التى تحقق أرباحاً كبرى، وقد يكون هذا مناسبا إذا كان العاملون داخل هذه المؤسسات فى وضع اقتصادى آمن، وأن هذه المؤسسات والشركات لديها فائض اقتصادى مناسب، ولا تعانى من ديون وأزمات اقتصادية.. وأنها قائمة فى مجتمعات لديها استقرار اقتصادى ما.. ولكن رغم أن كل هذه الافتراضات قد تكون غير محققة.. فإن فكرة هدايا رأس السنة مازالت مستمرة وقائمة. ورغم الأزمات المالية العالمية التى ألقت بظلالها السلبية على كل دول العالم فمازالت هدايا رأس السنة قائمة مع بعض ترشيد النفقات وليس إلغاء الفكرة. لا أحد يتوقف أمام بند هدايا رأس السنة الذى يستنزف كثيراً من الميزانيات المرهقة، ولم يفكر أحد فى إلغاء هذه الفكرة أو تجميدها قليلاً، إلا طارق عامر رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصرى الذى قرر وبهدوء إلغاء بند هدايا رأس السنة، التى كان يوزعها البنك على بعض من العملاء، وكان يكلف البنك اثنى عشر مليون جنيه سنويا وقرر المساهمة بهذا المبلغ لشراء أجهزة طبية إلى قصر العينى ومستشفيات أخرى. قرار صائب.. لم يفكر طارق عامر فى نشر إعلانات فى الجرائد والصحف والقنوات التليفزيونية.. أو نشر أخبار هنا وهناك، تمجد فيما قرر وفعل.. إنما فكر وقرر بهدوء.. وقد عرفت الخبر من أروقة قصر العينى. لا شك أن هذا القرار لابد أن يلقى عليه كل الضوء.. ولابد أن يوضع هذا الاسم فى لوحة شرف الضمير المصرى.. ولابد أن يفكر كل رؤساء الإدارات المختلفة الحكومية والخاصة فى ترسيخ هذه الفكرة الإنسانية المحترمة.. الجميع يمكن أن يتخلى عن انتظار هدايا رأس السنة.. دون أى ازعاج أو ضيق.. فى مقابل أن يجد المرضى المصريون علاجاً كريما.. فى مقابل أن يجد مرضى القلب ومرضى السرطانات ومرضى الكلى والسكر علاجاً يخفف عذاباتهم الإنسانية والمرضية. ويمكن هنا التنويع على معزوفة احتياجات الضعاف من المصريين.. هل أقول لكم إن مريض قصر العينى الذى يمن الله عليه بالشفاء يودع المستشفى باكياً بدموع الحسرة على فراق الثوب الأبيض الذى يقدمه قصر العينى له؟! إن عميدة الطب السابقة د. مديحة خطاب كانت ترصد عدة آلاف من التبرعات لشراء بعض من الجلابيب والملابس للمرضى.. وعدة آلاف أخرى لشراء الأكفان اللازمة لستر الجثامين التى غادرت الحياة! ماذا تفيد ساعة جديدة بعدة آلاف من الجنيهات ليد واحد يملك عشرات من أمثالها، بينما ينزف العديد من البشر بنزيف الكرامة المهدرة لأنهم لا يجدون ثمن الدواء؟! ندمن فى نهاية كل عام وبداية كل عام جملة «كل سنة وأنت طيب» وننسى أن كلاً منا لن يكون طيباً بالفعل مادمنا نهدر الملايين على مجاملات تحمل بصمات النفاق الرخيص، بينما يوجد على أرض الواقع من يحتاجون لأيدٍ طيبة بالفعل تقدم الدعم والعون لهم. كاتبة السطور السابقة لا تربطها بالبنك الأهلى أى علاقة من أى نوع ولم تتشرف، ولا تسعى لأى خدمة من خدمات البنك الأهلى المصرى.. ولذلك وجب التنويه. [email protected]