جاء البرادعى وهو لا يملك إلا «الفكرة»، وشوقاً شعبياً عارماً إلى التغيير، فى مقابل مصالح هائلة تبلغ عشرات المليارات، ومراكز قوى تشبه جبل الجليد العائم، نشاهد قمته ولا نعرف أى شىء عن جرمه الهائل المختفى تحت الماء. ومن البديهى أن أصحاب المصالح سوف يشنون حربا ضارية فى مواجهة فكرة التغيير التى يحملها البرادعى، مستخدمين كل أنواع الأسلحة، ومن ضمنها سلاح الدين. وقد بدأت الحرب الضروس بزعم علمانيته، وكأن النظام الحالى حامى حمى الإسلام! لذلك أتمنى أن يأخذ البرادعى الحذر، فسوف يحاولون استدراجه لاصطياد عبارات يمكن تأويلها بأنه ضد الهوية الإسلامية لمصر، وضد المادة الثانية للدستور، وضد الحجاب. لذلك أتمنى ألا يستجيب لهذا الاستدراج، إذا أراد أن يقطع الطريق على خصوم يسيئون استخدام دين لا يعملون به، دون مراعاة لحرمته وتوقيره، لأنهم يعلمون جيدا أنهم إذا ألصقوا به صفة العلمانية انصرفت عنه كتلة الشعب وانتهت فرصته فى مشروع التغيير. وإننى أتفهم أن الله خلقنا متفاوتين، فهناك الأقباط الذين لا يدينون بالإسلام وهناك من لا يحمل ودا للمادة الثانية من الدستور، ورغم ذلك أرجوهم أن يغلبوا مصلحة الوطن العليا ولا يحاولوا فتح هذه الملفات الشائكة، لأن مصلحتهم- ومصلحتنا- فى التغيير. فالتعصب الدينى لا يزدهر إلا إذا انعدم الأمل فى مستقبل أفضل، فيصبح الموت والحياة سواء. ولقد أسعدنى وعيه الواضح بحساسية الشعب المصرى تجاه تعظيم الشعائر، كصلاته فى مسجد الحسين، وحضور قداس القيامة، هذه أشياء يجب أن يمارسها بتوسع، لأنها طبيعة الأرض التى يقيم عليها مشروعه ويأخذ بيدها إلى الحداثة، دائمة التطلع إلى السماء، يشهد على ذلك نخلها المنتصب لأعلى، ونيل نجاشى، أرغوله فى إيده، يسبح لسيده، كما كتب أحمد شوقى وغنّى عبدالوهاب. مصر بلاد معجونة بالدين، تكرر ذكرها فى الكتب المقدسة، وتقاطعت معها جميع النبوات. لم تكن مصادفة أن يمر عليها معظم الأنبياء: إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى وأمه الصديقة، ويوصى بأهلها خيرا نبينا محمد عليهم جميعا الصلاة والسلام. وما تكرر ذكرها فى القرآن الكريم إلا لشأنها العظيم، وصهر ونسب، ونبوءة صدّقتها الأحداث أنهم خير أجناد الأرض، وحقيقة أن مصر احتضنت آل البيت بعد أن عصف بهم الملك العضوض. إذا كانت مصر جسدا فالدين روحه، وإذا كانت ثمرة فالدين سُكّرها، وإذا كانت زهرة فالدين عطرها. وانتزاع الدين من مصر كخلع الأظافر والأسنان، بل كنزع الروح من الجسد. هذا ما فهمه كل القادة العظام الذين نفذوا إلى «روح مصر» بصرف النظر عن نواياهم تجاهها، فهذا نابليون يرتدى العمامة ويتظاهر بالإسلام، وهذا المحتل الإنجليزى الماكر يحرص على عدم الاصطدام بالمقدسات. لذلك أقول له: افترض سوء النية دائما فيمن يطلب رأيك فى هذه الملفات الشائكة، فسوء الظن يكون أحيانا من حسن الفطن، وكن فى منتهى الحذر عند الحديث عن الدين.