الحكومة تخصص 5837 فدان لإنشاء محطة للطاقة الشمسية بمحافظة قنا    أبو الغيط: الفلسطينيون يموتون من البرد.. والاحتلال يُفرغ وقف إطلاق النار من مضمونه    بوتين: شن هجوم على أوروبا أكاذيب وخزعبلات    بايرن ميونخ يستهدف ضم فيرنانديز بعد رفضه الدوري السعودي    الدوري الأمريكي يضع ليفاندوفسكي ضمن أولوياته قبل انتهاء عقده مع برشلونة    تموين المنيا يحرر 239 مخالفة في حملات مكثفة لضبط الأسواق والمخابز    انتخابات مجلس النواب.. ضبط شخص قدم رشاوى للمواطنين للتصويت لصالح مرشح في الباجور    رئيس وزراء الأردن: عمان تدعم جهود الجامعة العربية فى العمل الاجتماعى    «الوزراء» يوافق على منحة كورية لدعم البنية التحتية للطاقة الخضراء بقناة السويس    الداخلية تحاصر «سماسرة الانتخابات».. سقوط 17 متهمًا بشراء الأصوات | صور    صفحة منتخب مصر ترحب بمحمد صلاح: الملك فى الوطن    إقبال ملحوظ من الناخبين على لجان الحسينية بالشرقية في جولة الإعادة لانتخابات النواب    600 قائد عسكري إسرائيلي لترامب: لا مرحلة ثانية لغزة دون نزع سلاح حماس وإشراك السلطة    الروائى شريف سعيد يتحدث عن "عسل السنيورة" الفائزة بجائزة نجيب محفوظ    ضبط شخص بحوزته عدد من البطاقات الشخصية لناخبين ومبالغ مالي    وزراء الري والزراعة والصناعة: تعامل حازم مع أى تعديات على المجارى المائية والطرق    كيف دعم حسن حسني الراحلة نيفين مندور في فيلم «اللي بالي بالك»؟    وزير الأوقاف يكرم المشاركين فى نجاح المسابقة العالمية 32 للقرآن الكريم    كيف تميز العقار الأصلي من المغشوش؟ تعليمات حكومية جديدة    مجلس الوزراء يهنىء الرئيس بمنحه أرفع وسام من "الفاو"    تأييد حبس الفنان محمد رمضان عامين بسبب أغنية رقم واحد يا أنصاص    الداخلية تضبط شخص بدائرة قسم شرطة المطرية بحوزته مبالغ مالية وعدد من كوبونات السلع الغذائية متعلقة بالانتخابات    الحكومة توضح حقيقة مشكلات الصرف الصحي في قرى مغاغة: سببها التسريب والكسر وليس سوء التنفيذ    الداخلية تضبط 3 أشخاص لتوزيعهم أموال بمحيط لجان المطرية    العدل يدعو للمشاركة في جولة الإعادة البرلمانية: الانضباط داخل اللجان يعزز الثقة والبرلمان القوي شرط للإصلاح    العقول الخضراء والتنمية المستدامة ندوة توعوية لطالبات الثانوية التجارية بسوهاج    الزمالك يكشف موقف آدم كايد من لقاء الزمالك وحرس الحدود    حقيقة انفصال مصطفى أبو سريع عن زوجته بسبب غادة عبدالرازق    مفتي الجمهورية يلتقي نظيره الكازاخستاني على هامش الندوة الدولية الثانية للإفتاء    مكتبة الإسكندرية تشارك في افتتاح ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي    وزير الرياضة يعلن عودة نعمة سعيد من الاعتزال تحضيرا ل أولمبياد لوس أنجلوس    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    باسل رحمي: نحرص على تدريب المواطنين والشباب على إقامة مشروعات جديدة    المطبخ المصري.. جذور وحكايات وهوية    أم كلثوم.. حين تتحول قراءة الرمز إلى تقزيم    المحمدي: ظُلمت في الزمالك.. ومباريات الدوري سنلعبها كالكؤوس    مع بدء التصويت بانتخابات الاعادة للمرحلة الثانية .. حزب العدل يتقدم ب 7 شكاوي للهيئة الوطنية للانتخابات    «أندرية زكي»: خطاب الكراهية يهدد السلم المجتمعي ويتطلب مواجهة شاملة    المصرف المتحد يرعى المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الثانية والثلاثين    «الست» تتصدر شباك التذاكر.. أبرز إيرادات أفلام دور العرض المصرية    البرهان يعلن استعداده للتعاون مع ترامب لإنهاء الحرب في السودان    عاجل- الأرصاد السعودية تحذر: أمطار ورياح شديدة على منطقة حائل    باكستان تمدد حظر تحليق الطائرات الهندية فى مجالها الجوى حتى 24 يناير المقبل    عاجل- الاحتلال الإسرائيلي يرتكب 11 خرقًا جديدًا لوقف إطلاق النار في غزة    محافظ قنا يوجه بحملات مرورية مكثفة للحد من حوادث الطرق    إصابة سيدة وابنها صدمتهما سيارة بقرية فى أبو النمرس    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    إعلام الاحتلال: إسرائيل تستعد لمواجهة عسكرية مع حزب الله نهاية العام    سطوحي قائمًا بأعمال عميد علوم عين شمس وطنطاوي للآثار    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    صحة سوهاج: تنظيم 2105 ندوات توعوية لصحة الفم والأسنان خلال شهر نوفمبر    سعر الدولار اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 في مصر    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت فى كأس عاصمة مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شكراً.. شمس بدران
نشر في المصري اليوم يوم 14 - 11 - 2010

الناصرية ليست سُبة ولا هى نيشان، مثلها مثل الساداتية وغيرها من كبسولات لغوية تحاول تلخيص حزمة من الأفكار السياسية والاتجاهات العامة والتجليات السلوكية المرتبطة بشخص ما فى كلمة واحدة. فقط هؤلاء الذين يحاولون أن يتعلموا حتى آخر يوم فى حياتهم يؤمنون بأن النفس البشرية فى تفاعلها مع الآخر وفى تعاطيها مع الواقع أكثر تعقيداً من أن «نكبسلها» فى كلمة أو كلمتين.
هم أيضاً أكثر من يشعر بالإهانة حين يعمد آخرون إلى «كبسلتهم» عندما يختلفون معهم لمجرد أن هؤلاء غير راغبين فى قبول فكرة لا توافق منطلقاتهم، أو ربما حتى غير قادرين على بلوغ نقطة «الصفر المحايد»، وهى النقطة الحاسمة التى لديها يمكن للإنسان أن يبدأ فى التعلم الصحيح، ومن ثم يمكن أن تتاح أمامه بعد ذلك فرصة الطرح المستنير والحكم العادل.
ورغم إدراكنا حقيقة أن ثقافتنا ثقافة شفهية فى أصلها، عاطفية فى جوهرها، فقد كانت تلك مقدمة ضرورية بعد ما أثاره مقالنا السابق عن جانب من ملابسات السبق الصحفى لوكالة الأهرام مع وزير الحربية المصرى سابقاً، شمس بدران، من ردود فعل متباينة. وبغض النظر عن رأيى أو رأيك فى الرجل أو فيما قاله - مما نعرفه ومما لا نعرفه بعد - فإنه يستحق شكراً على أنه أتاح لنا أن نقف أمام مجموعة من الحقائق.
فأولاً، رغم أن الأمر يتعلق بما حدث قبل نحو نصف قرن من الزمان، فلا يوجد لدينا الآن كثير من الشك فى أننا - مصريين وعرباً - لانزال أسرى تلك الحقبة الزمنية الحاسمة فى تاريخنا الحديث، وأننا لانزال مفتونين بتفاصيلها، لأننا لم نصارح أنفسنا بعد بأخطائنا، ولم نسع إلى فرصة حقيقية للتعلم من الدرس. ومن ثم فإن حالنا لا يختلف كثيراً عن حال مريض نفسياً لايزال فى حاجة إلى صدمة واقعية تتيح له فرصة التصالح مع الذات، عسى أن يتطور منها إلى طور التصالح مع الآخر.
وثانياً، أن فريقاً بعينه فى هذا البلد يحاول استغلال ذلك لتحقيق أغراض مرحلية عن طريق إهالة القاذورات على شخص جمال عبدالناصر، الذى هو لا شيطان ولا ملاك، لكنه رجل انتقل إلى ذمة الله قبل أربعين سنة ولا يستطيع أن يرد. وليس هو المقصود على أى حال، بل إن المقصود هو مؤسسة بأكملها تمثل حصن مصر الأخير. ومما يؤسف له أن تلك الأغراض المرحلية لذلك الفريق - الذى هو منا وعلينا - تتفق مع أغراض استراتيجية لفريق ليس منا بل علينا طول الخط. أقولها هنا للمرة المليون: لست ناصرياً.. والله العظيم ورحمة أبويا.. لست ناصرياً، ولا أجد فى هذه الحقيقة عيباً ولا ميزة، لكننى أجد أمام عينىّ هاتين اللتين سيأكلهما الدود أمة فسد حكامها وأفلست أنظمتها وتاهت رعيتها، فلم تجد أمامها فى لحظات الذل سوى أن ترفع صورة ذلك الرجل إن لم يكن حباً فيه فرفضاً للحاضر وتمرداً على ما ابتلينا به.
وثالثاً، أن هذه الحقيقة فى حد ذاتها تمثل فى رأينا قمة المأساة، وإلا فأى مأساة أكبر من أن ترفع صورة رجل - رغم كل ما له من حسنات على أصعدة أخرى - أضاع علينا فرصة ذهبية لبناء مجتمع مدنى حديث وانتهى عصره بضياع الأرض والكرامة؟ وليس فى هذا حكم على جمال عبدالناصر بقدر ما فيه من حكم على ما نعيشه اليوم.
إن ثمة مفهوماً أفقياً يتمثل فى الجغرافيا السياسية التى لها ثوابت لا تتغير، وثمة مفهوماً رأسياً يتمثل فى التاريخ الذى هو بطبيعته البحتة متغير. وحين يعز على المرء فهم جانب من التاريخ - وما أكثر هذا فى بلادنا! - فإن من الحكمة أن نسترشد بالثابت، وحين يختلط علينا الأمر فى ثوابتنا، فإن شهادة العدو تتحول فجأة إلى أهم ثابت وإلى أكثر المراجع صدقاً. والحقيقة أن أعداءنا لايزالون يكرهون عبدالناصر، وأن الأكثر مرارة أنهم صاروا يحبوننا نحن. وهذا هو السؤال الحقيقى الذى ينبغى علينا أن نجيب عنه، إن كان لنا أن نبدأ فى فهم أنفسنا.
ورابعاً، رغم حرصنا الشديد على توضيحها فى المقال السابق، فقد اعتقد البعض أننا ندعو إلى مصادرة شهادة شمس بدران، وهو ما ليس صحيحاً على الإطلاق. لقد كان لاعباً أساسياً فى فترة حاسمة من تاريخ مصر والعرب، ومن حقه، بل من واجبه، أن يجيب عن أسئلتنا. ورغم أننى حاولت أن أرتفع من البداية بمستوى الحوار فاخترت ألا أتعرض لتفاصيل مفاوضات وكالة الأهرام معى لإجراء ثلاثين حلقة مع الرجل فى بريطانيا، فإن مجرد تطوع البعض من الأهرام بالكشف عن جانب من تلك التفاصيل لا يمنحنى الحق بالضرورة فى الكشف عن جوانبها الأخرى، التزاماً منى بأخلاق المهنة.
لكنه فى الوقت نفسه يلقى على كاهلى واجب تجاه هؤلاء من قرائى الكرام الذين يتساءلون فى النهاية: لماذا لم تكتمل المفاوضات، ويسمعون الآن من أطراف أخرى ما يخصنى؟! سأترك لزملائى فى «الأهرام» حرية الكشف عن التفاصيل إن أرادوا ذلك، وسأحتفظ لنفسى باستنتاج نهائى مبنىّ على تلك التفاصيل، يميل إلى تخليص ذمة «الأهرام»، التى أحبها وأحترمها منذ كنت طفلاً صغيراً يتسلق ظهر أبيه كى يطالع عناوين تلك الصحيفة التى كان يحرص الأب على قراءتها كل يوم وهو يحتسى قهوة الصباح.
وقناعتى بعد تلك المفاوضات أن الأمر كله أكبر من «الأهرام»، وأن هؤلاء الذين سمحوا لمن هو من المفروض، وفقاً لصفقة كبرى، ألا يفتح فمه إلى الأبد، بل شجعوه على ذلك، لم يكونوا فى الواقع فى حاجة إلى صحفى من نوعى لأنهم لم يريدوا أصلاً من شمس بدران أن «يجيب عن أسئلتنا» نحن، وأنهم - والأمر كذلك - لم يكونوا أصلاً فى حاجة إلا إلى حامل ميكروفون. أقول هذا وأنا أعلن فى الوقت نفسه احترامى الإنسانى الكامل لمن جلس فى النهاية أمام الرجل.
وخامساً، لا يحق لزملائنا فى وكالة الأهرام أن يغضبوا عندما يعلم الناس جانباً من تفاصيل ما تفوّه به شمس بدران عن الحياة الجنسية لجمال عبدالناصر. لقد اختاروا بأنفسهم هذا المقطع بعينه من بين ست وثلاثين ساعة سجلوها مع الرجل كى يكون زبدة تسويق هذا المنتج الفنى. كما اختاروا مقاطع أخرى من بينها ما يخص الأستاذ محمد حسنين هيكل، لكننى لم أذكرها لأنه لايزال على قيد الحياة وهو أولى بالدفاع عن نفسه وأكثر قدرة من أى صحفى آخر. وهل من المفترض على أى حال أن يبقى ما يسعى المرء إلى تسويقه سراً؟ إن صح هذا، فمن باب أولى أن يتوقع من ينزل إلى الشارع عارياً أن يغمض المارة أعينهم قبل أن يخطر بباله اقتراح آخر قد تكون له وجاهته: أن يرتدى ملابسه قبل أن ينزل إلى الشارع.
وسادساً، رغم الاستنكار الهائل من جانب الناس (بعضهم ناصرى وأغلبهم غير ذلك) لما تفوه به شمس بدران، فإننى فى واقع الأمر لا أدعو إلى مصادرته، وأعلن شغفى به واشتياقى إلى الاستماع إليه من منطلق صحفى قانونى. فالمصدر فى هذه الحالة لا يعبر عن رأى شخصى وإنما من المفترض أنه يقدم لنا معلومة تخص أكبر رأس فى الأمة العربية، فى أكثر مراحلها حساسية. ومن الناحية القانونية يحق لأى مصدر، مثلما يحق لأى صحفى أو لأى منتج، أن يخوض فى تفاصيل الحياة الخاصة لأى شخصية عامة، لكن عليه فى الوقت نفسه أن يثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن لتلك التفاصيل فى حياته الخاصة علاقة - سلبية أو إيجابية - بقدرته على القيام بمهام الدور أو الوظيفة التى تجعل منه شخصية عامة.
وفى هذه الحالة سيكون على السيد شمس بدران، وعلى مؤسسة الأهرام فى الوقت نفسه، أن يقدما لنا الدليل القاطع - حتى لو افترضنا صحة ما يزعمه بدران - على أن مشاهدة أفلام «خاصة» للفنانة سعاد حسنى ساهمت من قريب أو من بعيد على سبيل المثال فى هزيمة يونيو أو فى تأخره على الاجتماعات أو فى قمعه الحريات العامة أو فيما فعله بالإخوان المسلمين. غير ذلك سيكون هدية كبرى من حق أسرة الزعيم الراحل أن تقبلها وأن تتوجه بها إلى أقرب محكمة. فى مثل هذا النوع من القضايا يميز القضاة فى بريطانيا - التى يعيش فيها بدران - بين نوعين من الدوافع: أولهما شغف الناس أو فضولهم Public's Interest، وثانيهما هو مصلحة الناس In The Interest Of The Public. ولابد أنه يعلم أن مصادر وصحفيين ومؤسسات صحفية كثيرة نالت عقابها ففقدت مصداقيتها وأفلست لأنها لم تستطع إقناع القاضى بأنها تعدت الدافع الأول إلى الدافع الثانى.
وسابعاً، تكشف هذه المسألة كلها، فى جانب آخر من جوانبها، هزال الوسط الصحفى فى مصر وافتقاد كثيرين فيه الحد الأدنى من المهنية والأخلاق. لقد اهتم البعض بالمسألة وعالجوها كل بطريقته، ولم يهتم بالاتصال بالمصدر الأول لها سوى واحد فقط هو الناقد الفنى الصديق طارق الشناوى، الذى أراد أن يتيقن من بعض التفاصيل كى يكون عادلاً فى طرحه إذا فكر فى الكتابة. أما الباقون، على صفحات الجرائد أو على شاشات التليفزيون، فإنهم يذكروننى بما حدث للزميل الساخر صاحب القلم المميز، أسامة غريب، عندما ضل طريقه ذات يوم نحو قرية قرب الفيوم فاستوقفه صبى زعم أنه سيرشده وأخذ يحكى له حكايات لا أول لها ولا آخر ويمعن فى تضليله ثم يتهمه فى النهاية بأنه عبيط، فما كان من أسامة إلا أن فتح باب السيارة وكظم غيظه (قدر ما استطاع): «أنا عبيط؟ طب انزل يا ابن الجزمة».
استقيموا يرحمكم الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.