قبل سنوات كان صديقى يشكو مر الشكوى من رئيسه فى المؤسسة الصحفية التى يعمل فيها، كان يسميه «صاحب العزبة» كدلالة على طول بقائه فى موقعه الذى زاد على عشرين عاماً، ويحدثك عن خطايا هذا التأبيد فى السلطة وجنايته على أجيال وسيطة كثيرة، ولا يخلو حديثه من قدح فى رئيسه، وفى موهبته وكفاءته، وقدراته الإدارية، حتى من الله عليه وعلى زملائه بقرار تغيير تاريخى أطاح بالرجل الذى كادت المؤسسة تلتصق باسمه، وتم تعيين زميل آخر، كانت أبرز مزاياه كما كان يرى صديقى أنه كان قائد ما يسمى بجبهة المعارضة فى المؤسسة، وطالما عارض الرئيس السابق، وتعرض لعقوبات وتهميش منه، لكنه صمد فى مواجهته، واستمر يناضل بين زملائه قدر استطاعته لفضح فساده، والغمز واللمز فى كفاءته وموهبته وقدرته على كتابة مقال صحفى، وظل طوال هذه السنوات يدعو لانتخاب رؤساء المؤسسات، ولتمرير القرارات التحريرية والصحفية بشكل ديمقراطى. حدث التغيير وجاء أحد دعاة الديمقراطية والمهنية وأصبح الرئيس الحالى، لكن صديقى ومعه جميع زملائه، وربما كثير من قراء الصحيفة، أيقنوا بعد مرور أسابيع قليلة على القرار أن التغيير الذى انتظروه كثيراً ربما حدث للأسوأ. بدأ الرئيس الحالى عهده فبانت عوراته، وظهر أن حديثه المستمر عن الديمقراطية كان مطية للاستهلاك المحلى فحسب، وظهر ضعفه المهنى، والإدارى، وبدا صدره أضيق بكثير من سلفه، فلم يعد يسمح بمعارضته فى رأى، أو مناقشته فى قرار، وبدأ يبطش بالمختلفين معه، ينقلهم من أقسامهم، ويمنعهم من الكتابة، ويضيق على أرزاقهم. بدأ صديقى يتحسر على أيام الرئيس السابق، الذى لم ينكر يوماً أنه كان طاغية ومستبداً، وبدأ يراجع نفسه، ويقول كان ديكتاتوراً فى قراره، لكنه كان يسمح لنا أن نتنفس، وأن نقول آراءنا، وأن نسبه ونلعنه فى صحف أخرى، وعندما يقارن صديقى بين مقال للحالى ومقال للسابق يباهى بمهنية وحرفية السابق، ومستوى أدائه، واحترامه... إلى آخر الصفات الإيجابية. أتذكر كل ذلك كلما أقرأ عن انشقاقات فى صفوف المعارضة بسبب غياب فضيلة الحوار، وكلما رأيت قوى معارضة تقدم نفسها كمبشر بالديمقراطية، وتفزع من الاقتراب منها بالنقد، وأحزابا تبطش بقيادات مخالفة فى الرأى، ورؤساء أحزاب يحتكرون مواقعهم، ولوائح يجرى تفصيلها لخدمة أشخاص محددين، ودعاة للديمقراطية أمام الكاميرات والميكروفونات صدرهم أضيق من النظام السلطوى الذى يكافحونه، ومعارضين يثبتون لك كل يوم أنهم سيكونون أشد بطشاً من النظام لو آل إليهم الأمر. كل ذلك ألا يجعلك تخشى أن يأتى يوم من الأيام نصبح فيه جميعاً مثل صديقى.. ونتحسر على الحزب الوطنى وأيامه؟! [email protected]