بعد استقصاءات دامت أربعة شهور مع مجموعة من سائقى التاكسى، دشنت سلسلة مكتبات «أ» مبادرة «اقرأ على الطريق». سيتمكن راكب التاكسى أن يقرأ أحد الكتب بينما يشق التاكسى عباب المحيط القاهرى العامر بالزحام والتلوث والضوضاء. لن يضيع الوقت فى حرقة الدم والانتظار. سيرتحل العقل مع صفحات الكتب فينسى ما حوله من قبح، وبعد النزول من التاكسى قد يفكر الراكب فى اقتناء أحد الكتب التى بدأ قراءتها على الطريق ولم تتح له فرصة استكمالها. يقول القائمون على المشروع «تعتمد فكرة تاكسى المعرفة على الانتقال للقارئ خارج الأماكن التقليدية للقراءة، وهى فكرة جديدة تماماً على المجتمع المصرى، وإن كانت فكرة المكتبة المتنقلة موجودة وقديمة إلا أن خدماتها تحتاج إلى من يرغب فى القراءة من الأساس، وهذا ما تختلف فيه فكرتنا والتى تعتمد فى الأساس على استغلال وسائل المواصلات (بدأنا بالتاكسى) لتشجيع من يحب ومن لا يحب ومن لم يكن الموضوع على خاطره من الأساس». الفكرة رائعة وجديدة وتحمل مبادرة يقول القائمون على «أ» إنها «شبابية» تماما. ولا أشك فى ذلك. فما أعتقده من رصد بعض الظواهر فى مصر فى الفترة الأخيرة هو أن هناك تغييرا اجتماعيا يقوده الشباب ويظهر فى تجليات عدة. أعتبر المدونات إحدى علامات هذا التغيير بإتاحتها مساحة رحبة للتعبير وإثبات الذات. الجماعات الأدبية المستقلة هى تجل آخر لهذا التغيير حيث تمنح الكتاب حسا للانتماء وتدعيما لتطلعاتهم الثقافية والإنسانية. وتسير السينما المستقلة والفرق المسرحية الحرة على نفس النهج، حيث يرسم هؤلاء الشباب خارطة أخرى تعبر عن وعيهم ورؤيتهم للحياة بعيدا عن آليات السوق الاستهلاكية متدنية القيمة. هذا بالإضافة إلى العديد من المبادرات التى يقوم بها الشباب فى إطار خدمة المجتمع وهى كثيرة رغم أنها لا تحظى بتغطية إعلامية من شأنها أن تدعمها من ناحية، ومن ناحية أخرى تمنح قطاعات من الشباب قدوة تنير لهم الطرق المظلمة. تعترف مكتبات «أ» بالفضل لمجموعة من الكتاب دعموا المبادرة وهم بلال فضل ومحمد فتحى وأحمد مهنى ومصطفى شهيب وعمر طاهر. وكذلك لاثنين من دور النشر (المهتمة بإبداعات الشباب) وهما دار «اكتب» ودار «دون». وكلى أمل أن يكون هؤلاء الكتاب ودور النشر مجرد بداية لاستمرار المشروع. فليس صعبا على الإطلاق أن تتبرع دور النشر بعدد من الكتب للمشروع وليس مستحيلا أن يتبرع بعض الكتاب المهتمين بالمبادرة بنسخ من كتبهم إلى مكتبات التاكسى، ففى نهاية الأمر المردود مباشر ومضمون فيما له علاقة بزيادة توزيع الكتب المتاحة فى التاكسيات وبزيادة عدد مكتبات التاكسى التى تبدأ ب50 فقط. يأتى مشروع «تاكسى المعرفة» كتأكيد على قوة المبادرات الفردية غير الحكومية. فبإمكان فكرة واحدة أن تطرح ثمارا وفيرة، بإمكان فكرة واحدة أن تلهم آخرين فيبدأون مبادرات تخصهم، كل فى مجاله. يقول الحكيم الصينى لاو تسو «من الواحد يأتى الاثنان، ومن الاثنين يأتى الثلاثة، ومن الثلاثة يأتى عشرة آلاف». التغيير فى أيدينا، لن يأتينا من فوق. التغيير يبدأ بنا، من أرض الواقع الذى يخصنا والذى من حق كل منا إعادة تشكيله من جديد كى نترك لأولادنا هذا الوطن وقد أصبح أكثر طيبة وجمالا.