لافتة خشبية متواضعة معلقة على شجرة بجوار شادر بطيخ في منطقة آثر النبي بمصر القديمة، كانت دليلنا للوصول إلى المتحف الجيولوجي المصري. يستقر المتحف داخل جراج تابع لهيئة النقل النهري، ويضم كنوزًا لا تقدر بثمن، وتؤرخ لطبيعة مصر الجيولوجية على مدار التاريخ، وذلك بمكان «مؤقت»، منذ 33 عامًا، بعد نقل مقره من ميدان التحرير عام 1981، مع بدايات عمل مترو الأنفاق. وتعود أهمية المتحف إلى أنه يحتل المركز الرابع على مستوى العالم من حيث مقتنياته، والمركز الأول على مستوى الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، حيث يضم أكثر من 50 ألف قطعة من الحفريات والصخور والمعادن والأحجار الكريمة وشبه الكريمة، التي تقدر سنواتها بالملايين، فضلا عن كتاب «اكتشاف منابع النيل»، والذي يعود تاريحه إلى عام 1790، وكتاب وصف مصر، وجميعهم مُعرض للسرقة والضياع أو التلف، لعدم وجود كاميرات مراقبة بالمتحف ولا أجهزة إنذار. ممر طويل، تتراص على جوانبه أحجار وعينات جيولوجية، للكوارتز، والحديد والذهب، وبقايا عظام حيوانات منقرضة، وبجوارها مخزن كان يستخدم لتجميع قمامة هيئة النقل النهري، وفقا لتأكيد مدحت سعيد، مدير المتحف، الذي قال: «للأسف نظرًا لعدم وجود مكان، قمنا بتنظيف هذه المساحة من القمامة وتم تخزين باقي القطع من الصخور والنيازك بها». هذا الممر هو طريق الدخول الوحيد لصالة عرض المتحف والمكتبة، التي تضم كنوزًا لا يعلم قيمتها إلا البعثات الأجنبية، التي تأتي لدراسة أنواع الصخور المصرية، ودراسة الحيوانات المنقرضة وأهمها الديناصورات وعروس البحر، التي تملأ هياكلها وصورها المكان. يقول مدير المتحف إن «تاريخ مصر الجيولوجي في خطر، فالمكان لا يليق وغير مناسب، حيث طالبنا مئات المرات على مدار ال33عاما، رئاسة الوزراء ومحافظة القاهرة، بضرورة توفير مكان يليق بالمتحف ومقتنياته ولكن دون جدوى» . وأضاف: «المخازن تحتوي على مئات القطع غير معروضة لضيق المكان، كما أن صالة العرض مكدسة»، مشيرًا إلى أن «المتحف كان مفتوحًا أيام الإجازات، الجمعة والسبت، ونظرًا للانفلات الأمني، تم غلقه بعد سرقته أيام الثورة» . ولفت إلى أن مواد الترميم غير موجودة في مصر، وأضاف: «لذلك نضطر لعمل بروتوكلات تعاون مع غيرنا، مثل جامعة بنسلفانيا وديوك ومتحف كارنجي، للحصول عليها، كما نحتاج إلى ماكينة (آير إسكرايب)، لتنظيف الحفريات لعدم سفر العينات للخارج، التي نفاجىء بحجزها في الجمارك، لدفع رسوم عليها كما حدث مع ديناصور المد والجزر (بارالتيتين)، الذي تم اكتشافه، عام 2000، في منطقة الواحات البحرية، وهو جديد فى النوع والجنس على مستوى العالم، وتم إرساله إلى جامعة بنسلفانيا للترميم، وللأسف بعد إعادته فوجئنا بحجزه في الجمارك، لدفع الرسوم وظل لمدة 8 أشهر في الصناديق، فلحقت به أضرار» . «لا يوجد كاميرات مراقبة بالمتحف».. يقولها المدير المسؤول ثم يبرز مشكلات اخرى، منها «الإضاءة ضعيفة والتهوية سيئة، وللأسف قمت بعمل لافتة على حسابنا، وحاولت وضعها على البوابه الخلفية لمبنى النقل النهري، إلا أنني فوجئت بهم يرفضون». وتابع: «لذلك اضطررت لعمل لوحة خشبية ووضعتها على أحد الأشجار كي يعرف الزائرين مكان المتحف، كما أننا حاولنا عمل بروتوكلات تعاون مع وزارة البيئة، ومنذ عام ونصف العام لم يتم الرد علينا، رغم أننا كنا سببًا في إلقاء الضوء على منطقة وادي الحيتان وجعلها محمية طبيعية ذات تراث عالمي إلا أن البيئة تتعامل معنا من نظرة فوقية». ولفت إلى أن «المتحف تجاوز ال100 عام، حيث تم إنشاؤه، عام 1901، وتم افتتاحه للجمهور، عام 1904، وهو يتبع الهيئة المصرية العامة للمساحة الجيولوجية سابقًا، وحاليًا الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية، حيث صدر قرار جمهوري، في عام 2004، بتبعية هيئة المساحة الجيولوجية لوزير البترول، وتم تغيير اسم الهيئة، وكان أول امين للمتحف، هو تشارلزوليم أندروز، 1904، ثم تبعه هنري أوريون، 1906، بينما كان الدكتور حسن صادق، أول أمين مصري للمتحف، وكان مكانه في حديقة الأشغال العامة أمام مبنى الجامعة الأمريكية حاليًا، وهو مبنى من طراز فريد». وتابع: «للأسف في عام 1982، تم هدم المتحف بسبب أعمال المرحلة الأولى لمترو الانفاق، ونقل إلى مكانه الحالي بصفة مؤقتة، لحين توفير مكان مناسب حتى الآن». وأشار إلى أن «المتحف عبارة عن صالة عرض مفتوح نعرض فيها أنواع الصخور المختلفة على سطح القشرة الأرضية وبعض المعادن المميزة ، كما يحتوي على صالة أخرى للعرض مقسمة ل3 أجزاء، الجزء الأيمن مختص بالحيوانات اللافقارية مقسمة طبقا للتقسيم الجيولوجي العالمي». ولفت إلى أن «الجزء الأوسط يتميز بالحيوانات الفقارية ذات العمود الفقاري، وأشهرها حيوان الأرسينوثيريم، وعمره 35 مليون سنة، وتم اكتشافه بالفيوم، ونظرًا لأهميته تم اتخاذه شعارًا للمتحف، كما توجد مجموعة كبيرة من الحفريات، أما الجانب الأيسر فيتميز بتكوينات أنواع الصخور المختلفة على القشرة الأرضية، مقسمة طبقًا للتقسيم الجيولوجي المصري». وتابع: «يميز فيه كل عصر من العصور الصخور، التي كانت موجودة فيه والمعادن والحفريات وأشهرها جرانيت أسوان والسماق الإمبراطوري، الذي لا يوجد إلا في مصر وسويسرا، وتم عمل أعمدة بعض الكنائس منه في روما أيام الاحتلال الروماني لمصر، كما يحتوي على بعض النيازك العالمية، وكيفية وجود الذهب على سطح القشرة الأرضية، ومراحل استخراجه من منجم السكري، وبعض الأحجار الكريمة وشبه الكريمة، وبعض قطع من الديناصور المصري، وجرانيت أسوان المصنوع منه المسلات الموجودة في مختلف دول العالم». كما يتواجد صخر السماق الإمبراطوري، الذي «لا يوجد في أي دولة بالعالم إلا في مصر وسويسرا ، وتم عمل أعمدة بعض الكنائس منه فى روما أيام الاحتلال الرومانى لمصر، كما يحتوي على بعض مقتنيات الملك فاروق، وقطعة من صخور القمر مهداة من الرئيس الأمريكي، نيكسون، للشعب المصري». وبعد تجولنا داخل صالة العرض بأقسامها المختلفة لاحظنا في نهايتها مكتبة المتحف، حيث تجلس سيدة خمسينية، تدعى ثناء هاشم، مديرة المكتبة، فسألناها عما تحتويه المكتبة، فقالت بنبرة يكسوها الأسى: «مكتبة المتحف الوحيدة المتخصصة في الحفريات على مستوى الشرق الأوسط، وهي مقسمة إلى مكتبة جيولوجية، وبها ما يقرب من 5000 مطبوعة، وتحتوي على أبحاث وكتب عن جيولوجية مصر، والقسم الثاني مكتبة الدوريات العلمية، وتحتوي على 6000 مطبوعة منها المجلة الجيولوجية البريطانية والمجلة الجيولوجية الهندية، وهما من أقدم المجلات الجيولوجية العالمية». وتابعت: «كما تحتوي على النسخة الجيولوجية من كتاب وصف مصر، الذي يعود لعام 1809، وكتاب اكتشاف منابع النيل، الذي يعود لعام 1790، وللأسف هذه الكتب عرضة للتلف لعدم وجود مكان مجهز لحفظها، بعيدًا عن الحشرات والأتربة وملامسة الأيدي، كما أنها تحتاج صيانة». وتضم المكتبة، حسب مديرتها، «دواليب مكسورة، بالإضافة إلى أنه لا توجد ماكينة تصوير خاصة بها، لتسهيل الخدمة لأي زائر»، وتضيف: «أطالب منذ 10 سنوات بضرورة تعيين أمين مكتبة ولكن دون جدوى، فقد حصلت على درجة كبير منذ 6 سنوات، والمفروض ألا أقوم بأي عمل، ورغم ذلك أقوم بعمل أمين المكتبة لعدم وجود بديل». وقال حمدي السيد، جيولوجي: «معمل المعادن والصخور يحتاج إلى ماكينة قطع بدل من الشاكوش، كما أن «التكييفات تالفة ولا تصلح للاستخدام ونحتاج لبعض الجيولوجيين لنقل الخبرة، بالإضافة اذلك فالسيارة الموجودة بالمتحف متهالكة، ولا تصلح للاستخدام ونضطر لنقل العينات بالطرق الشخصية» . وأضاف حجاج محمد، نائب مدير عام المتحف: «للأسف قرار الهدم تم اتخاذه بصورة عاجلة وغير مخطط لها، وتم فرض الأمر الواقع على هيئة المساحة الجيولوجية في ذلك الوقت، حيث كان التركيز على مشروع مترو الأنفاق، ولم يحظ المتحف وما يضمه من ثروه قومية بالاهتمام نفسه». وأشار إلى أنه «تم نقل بعض المعامل لمقر الهيئة بالعباسية نظرا لضيق المكان، رغم أهمية وجودها بالمتحف لما يجرى بها من دراسات مثل معمل الحفريات الدقيقة وورش قطع الصخور والمعادن». وقال الدكتور مسعد هاشم، رئيس الهيئة العامة للثروة المعدنية: «للأسف حاولنا النقل لمكان يليق بمواصفات ولكن كل ما نحصل عليه مجرد وعود من المحافظين بمحافظة القاهرة وتذهب هذه الوعود مع كل محافظ، وأرضنا اغتصبت في عمل قومي، وإذا كان المتحف المصري في التحرير من العلامات، فلابد أن يكون المتحف الجيولوجي كذلك حيث لا يقل أهمية وقيمة من المتحف المصري، لما يحتوىه من عينات هامة وتحضره وفود من مختلف دول العالم». وأضاف: «كهيئة تم عمل نموذج وتصور للمتحف بصالات عرض عالمية، مثل متاحف بارس ولندن وجنوب أفريقيا، وللأسف حبيسة الأدراج، منذ 33 عامًا، ورغم ضعف الإمكانيات إلا أننا كهيئة أصدرنا قرارًا بعمل معارضة داخلية وخارجية للمحافظات خارج القاهرة، بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية للتعريف أكثر بالمتحف ومقتنياته، كما صدر قرار من مجلس الإدارة، لعمل ورش عمل لعلوم الجيولوجية للطلاب، لتقريب مادة الجيولجيا لهم».