مهنة من الصعب الاستمرار فيها، لكن البدء فيها لا يحتاج مجهوداً أو وساطة، حتى وإن لم يكن لديك سوى الموهبة فقط، فهى مهنة لا تعتمد على الشهادات التعليمية أو إجادة اللغات، بل إن معظم أصحابها تعليمهم لا يتعدى «الإعدادية»، ويكتفى فقط بالخبرة والقدرة على الحفظ والتعامل مع الجمهور بكل فئاته، والقدرة على تحويل الكوارث إلى أفراح وامتصاص غضب الجمهور أياً كانت الأسباب. نوباتشى الفرح.. يتخذ من أفراح الشوارع والنوادى والأفراح الشعبية مصدراً أساسياً للرزق، كما أنها تمنحه فرصة كافية لإظهار مهاراته وقدراته فى استقبال الناس والحديث عنهم وعن ألقاب عائلاتهم، ويتعاملون فيها مع كل الفئات «أعيان» و«حرافيش» واصفين ما يفعلونه بمهنتهم ببساطة بأن «كله ده لازم لأنه أكل عيش». البعض بدأ المهنة كهواية، وتحولت الهواية إلى عشق فيما بعد، فأخذ يجرى وراء الأفراح فى كل المناطق وعمل هنا وهناك، حتى أصبح من ذوى الخبرة كأحد أشهر النوباتشية. من أشهر نوباتشية الأفراح بمصر (العسلى) أو كما يقولون عنه «هو رقم واحد، وهو اللى بدع مهنة النوباتشى»، ذلك لأنه منذ صغره يعمل بها حتى بلغ الآن 65 من عمره، زادت شهرته بسبب معرفته البالغة بالقاهرة وكل شوارعها وحواريها وبكل من يقطن فيها، ويعتبره النوباتشية الجامعة التى يتعلمون منها أصول المهنة. وفى القاهرة أيضاً يوجد عدد من النوباتشية المعروفين بالاسم مثل «أحمد كربة»، يسرى الباشا، والراحل محمد بالابالا، وفى قليوب فارس الهجرسى وأحمد بيطا بالمطرية، وعم أسطول بالقناطر الخيرية والقليوبية وضواحيها، وأخيراً صلاح يوسف بالمناشى والجيزة». 300 جنيه هو سعر النوباتشى فى الأفراح، وفى بعض الأحيان يصل لأقل من ذلك. يقول «الهجرسى» «إن طلب النوباتشى فى بعض الأحيان من صاحب الفرح بعض الزيادة فى أجرته يتهمه صاحب الفرح بالسرقة ويهدده ببديل له وبسعر 150 جنيهاً فقط». ويضيف: «المعاناة تأتى أيضاً من ارتفاع أجر بعض المطربين الذى يتراوح بين 10 و15 ألف جنيه، الزيادة الكبيرة جاءت بسبب ظهور بعضهم فى مشهد بفيلم سينمائى أو ظهورهم بأحد البرامج التليفزيونيه، فى الوقت اللى بناخد فيه 150 جنيه، لكن هنعمل إيه؟ ده أكل عيش». يبدأ النوباتشى عمله بالفرح بقراءة «الفاتحة»، ثم تقديم فرقته، بعدها يبدأ التعامل مع الجمهور، وينهى بالختام والسلام الجمهورى. يصف «الأسطول» أحد نوباتشية القاهرة النوباتشى المحترف: «هوّ اللى يقدر يسوق الفرح زى ما هو عايز، والنوباتشى الذكى يملك القدرة على الحفظ بشكل جيد، ولابد من التلقائية لذا فمن غير المقبول تجهيز الكلام قبل الفرح، ويجب أن يملك إحساساً بالموسيقى لأنها ليست مجرد عزف فقط، لكنها مليئة بالمقامات، أما النوباتشى الغبى فهو اللى بيرغى وبس». وعند العمل فى منطقة جديدة لا يعرف أهلها يقوم صاحب الفرح بتعريفه بها وبأهلها، يقول «الهجرسى»: «النوباتشى صاحب الخبرة بتعاملاته وبأسلوبه هو من يملك القدرة إنه يخللى واحد كان هاينقط ب 100 جنيه ينقط ب 200 جنيه وده حلو لصاحب الفرح». وكما أن النوباتشية أنواع فالأفراح أيضاً أنواع، ولكل نوع منها طريقة تعامل ولغة خاصة به، بل سلام مختلف على المسرح أيضاً، لذا فإن النوباتشى على المسرح معرّض لأى شىء فى الفرح. هناك أفراح يطلق عليها «الأفراح التجارية» عشان كل واحد فيها بيلم فلوسه، يصفها «الأسطول» قائلا: «كل واحد مزنوق فى قرشين بيجيب نوباتشى يعملّه فرح ويلمهم له».. وتلك الأفراح لا يوجد بها غناء، ولكن النوباتشى بها هو سيد المسرح. وعلى النقيض هناك نوع آخر من الأفراح يقيمه أصحابه، يضيف «الأسطول»: «عشان يتبسطوا وبس، وتمنع فيه النقطة ولذلك فهو من الأفراح اللذيذة بالنسبة للنوباتشية». السلامات أيضاً أنواع: (سلام الصعيدى مزمار، المولد، البوابة، الفرحة والجمهورى أو التشريفة، وفى بعض الأحيان يُطلب من النوباتشى سلام «اخترناك».. والسلام يتوقف على مقام صاحبه وكل واحد ونقطته). يرى العديد من النوباتشية أن المهنة لن تتغير ولن تتقدم عما هى فيه الآن، لكن هناك من يحاسبهم عند الخطأ ويأتى لهم بحقهم عند ضياعه بل يحميهم أيضاً، وهى النقابة الموسيقية. ويسير النوباتشى طوال عمره على منطق يهواه ويؤمن به ويردده دائماً كما يقول «الهجرسى»: «تلك المهنة قائمة على القبول، والناس قابلانى فيها وفرحانة بيا الحمد لله، لأنى لا ليا فى شرب المخدرات ولا السُكْر ولا المشى الوحش يبقى الحمد لله.. وعقبال عندكم».