فى خطوة جادة ومهمة أقامت الجامعة العربية مسابقة بين الأطفال فى المنطقة.. المسابقة أدبية للملتقى العربى العاشر للأطفال فى إطار الاحتفال باليوم العربى للطفل بدولة قطر تحت شعار «تنمية الإبداع لدى الطفل»، وقد تلقيت من الأستاذة منى سمير كامل، مديرة إدارة الأسرة والطفولة، بقطاع الشؤون الاجتماعية بالأمانة العامة للجامعة، مجموعة إبداعات الأطفال فى القصة والنثر والشعر، من إحدى عشرة دولة عربية هى: سلطنة عمان والجمهورية اللبنانية والجمهورية التونسية والجمهورية السورية ومملكة البحرين والجماهيرية العربية الليبية العظمى والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية السودان وجمهورية مصر العربية والجمهورية اليمنية وفلسطين، أكتب أسماء الدول تحية لكل منها وإعزازاً لأطفالها ولسعادتى بعظم المسؤولية التى تحملتها الجامعة العربية بهذه الإطلالة المهمة على اكتشاف ما وصل إليه وجدان أطفالنا. إلا أننى أصابنى الإحباط لأن بعض الدول العربية لم تشارك وكعادتنا نحن المصريين فى إدانة أنفسنا فقد سألت الأستاذة منى كامل عن عدم اشتراك تلك الدول وهل هناك تقصير من الجامعة؟! فأكدت لى أنها أرسلت لكل الدول العربية بتفاصيل المسابقة وشروطها وألحقت المراسلات بمراسلات أخرى ولم يصلها سوى هذه الأعمال من الإحدى عشرة دولة ولأننى ولوعة بالرصد فقد تأملت أسماء الدول المشاركة، والتى سوف تشارك أيضاً فى فعاليات الدوحة، عاصمة الثقافة العربية بقطر، فاكتشفت أنها الدول التى تعطى اهتماماً لأطفالها وتحرص على اشتراكهم فى تظاهرة ثقافية وتمرينهم على التنافس، وكذلك على اكتشاف أنفسهم وقدراتهم الأدبية والثقافية فى الوقت نفسه، مع رصد الانتماء للوطن والاحتفاظ بالعادات والتقاليد والموروثات فى كل بلد عربى. وحتى لا أخرج من إطار التحكيم فأنا ملزمة بعدم التعليق على النصوص المشاركة، ولكن كان لزاماً علىّ أن أعلن أن الأعمال وصل عددها إلى مائة وثمانية عشر عملاً، ما بين شعر ونثر وقصة ولا أكتم إعجابى بهذا الكم الهائل من الأعمال. وإن دل هذا الكم على شىء، فعلى الحرص على الجيل القادم واعتباره المستقبل يمشى على قدمين. وبقدر عتابى للدول التى لم تشارك، التى أعتبر عدم مشاركتها بأعمال أطفالها تقصيراً ما فى النظرة إلى الطفل، الذى تعتبره مجتمعاتنا إلى الآن يعيش على فتات موائد الكبار، سواء غذائياً أم فكرياً أم تعليماً. كذلك أعتبره تقصيراً آخر نحو عروبة المنطقة، فحينما تنظر الجامعة العربية وأمينها العام إلى عرب الزمن القادم بهذه الأهمية والإصرار على معرفة التركيبة الوجدانية للجيل القادم، فكان يجب أن يقابلها اهتمام من الدول العربية، بل إصرار على إشراك أطفالها فى هذه المسابقة المهمة، والتى تعتبر مسابقة اكتشافية لوجدان الأمة فى الزمن المقبل. وكيف استطاعت اللغة أن توحد البشر وعن طريق اللغة يحدث الاقتراب والتخلص من التناقضات فى اللهجات المختلفة والتى بدأت التقارب بعد انتشار المسلسلات التى تبثها الفضائيات العربية ولنا فى تأثيرها مقال آخر بالإيجاب، وللعلم بقدر تنافر الكبار فى هذا الزمن، الذى نحن بحاجة فيه إلى التقارب بشدة فى مواجهة التكتلات العالمية وأثرها على المجتمعات اقتصادياً وسياسياً، نجد أن عالم الصغار وبكل ما فيه من براءة شديد المقدرة على التقارب والتآخى، ولى تجربة قمت بها فى الثمانينيات بين أطفال المنطقة العربية، حيث قدمت من خلال باب أخبار الأطفال، الذى كنت أقدمه خلال 45 عاماً فى جريدة الأخبار قدمت مسابقة تحت عنوان «طارق فى بلاد العرب» تيمناً بطارق بن زياد وكانت المسابقة بين أطفال مصر حول معلوماتهم عن الوطن العربى، وكان الفائزون العشرة يقومون برحلة إلى بلد عربى وقد سافرنا من خلالها إلى المغرب والسعودية والعراق وكانت ملاحظتى الأولى، التى حملت إلىَّ قدراً من السعادة والأمل فى عروبة المنطقة أن الأطفال المصريين، حينما كانوا يجتمعون بإخوتهم من الدول العربية رغم اختلاف اللهجات، خصوصاً فى المغرب العربى، كانوا يتفاهمون بسرعة تدعو إلى الدهشة واكتشفت وقتها أيضاً حينما جمعت أطفالاً من الجالية المصرية فى قطر بأطفال قطريين، أنهم يشتركون فى ألعاب هى بعينها، رغم اختلاف اسم اللعبة، وهى من الألعاب التى تضم مجموعات من الأطفال، كما اكتشفت عيداً لاستقبال رمضان فى قطر باسم «الكركعان»، وفى مصر يستقبل الأطفال رمضان بأغنية وحوى يا وحوى، اكتشفت أيضاً تأثر الأطفال بالجدة وهى ظاهرة عربية بحتة فى كل الدول العربية. بقدر عتابى على الدول التى لم يشارك أطفالها وهذا ليس تقصيراً من الأطفال ولكن تقصير من المجتمع، وأنا أعتبر أن اجتماع الأطفال وتلاقيهم لا يقل أهمية عن اجتماعات القمة، بل هو تدبر لأمور مستقبلهم استشراقاً لقمم أخرى. آمل فى استمرارية هذا النشاط من أجل أجيالنا القادمة وبخطط محكمة لإلزامهم بمجتمعاتهم وأقدار دولهم فى زمن نرزخ فيه تحت أطنان نفسية من عدم التواصل.. بينما بدايتنا فى عام 1946، حيث ولد مجلس الوحدة الاقتصادى، ولم تكن أوروبا قد عرفت ولا فكرت فى مثل هذه التجمعات. رجائى للأمين العام عمرو موسى أن ينسى إرهاقه مع تفككنا من أجل عودة ابتسامات الأطفال وتجميع قدراتهم واكتشافهم دون ملل.. إنهم المستقبل يمشى على قدمين، فلا يجب أن يصل إلى هذا المستقبل عائق يفرق ولا يجمع.. والله يعطينا العافية. [email protected]