إذا حكم الكهنوت انتحر العقل واغتيلت حرية الفكر، فالكهنوت يتقمص الرب ويتحدث باسمه ويجر كل رأى من ساحة الصح والخطأ إلى زنزانة الحلال والحرام، حيث تخرس الألسنة وتبتر العقول وتكمم الأفواه والحريات، وتاريخ الكهنوت كله يشهد بذلك، خاصة إذا اختلط الكهنوت بالسياسة، فمنح الحاكم رجال الدين سطوة الرقابة والمنع والمصادرة لقاء فتاوى تبرر الظلم والطغيان وصكوك غفران تكرس القهر وتجعل منه ثمناً لفردوس منتظر. سأستعير نصوص اللعنة التى استخدمها الكهنوت فى كل الأديان التى هى فى الأساس نزلت من أجل حرية الإنسان وسعادته، فحولها البعض من محتكرى الدين إلى أداة قهر وترويع وكبت، نصوص اللعنة ستتحدث عن نفسها وسأتركها لكم دون تعليق لترسم لكم سيناريو حكم الكهنوت، الاقتباس الأول من نص لعنة فيلسوف العقل اليهودى الهولندى سبينوزا من كهنة وحاخامات التكفير اليهود حين قالوا «بقرار الملائكة وحكم القديسين نحرم ونلعن وننبذ ونصب دعاءنا على باروخ اسبينوزا.. وليكن مغضوباً عليه وملعونا، نهارا وليلا وفى نومه وصبحه، ملعونا فى ذهابه وإيابه، وخروجه ودخوله، ونرجو الله ألا يشمله بعفوه أبدا، وأن ينزل عليه غضب الله وسخطه دائما.. وألا يتحدث معه أحد بكلمة، أو يتصل به كتابة، وألا يقدم له أحد مساعدة أو معروفا، وألا يعيش معه أحد تحت سقف واحد، وألا يقترب منه أحد على مسافة أربعة أذرع، وألا يقرأ أحد شيئا جرى به قلمه أو أملاه لسانه». الاقتباس الثانى من محاكمة جاليليو الذى أجبره كهنوت الكنيسة على الاعتراف بالخطأ والإقرار بكفره فى يونيو 1633م، فمات مهاناً ذليلاً نصف أعمى ونصف كسيح، اعترف جاليليو وقال «أقسم ويداى على الكتاب المقدس أن أنبذ نظرياتى الهرطقية الكافرة السالفة، وأعترف بأن أخطائى سببها الطموح الكاذب والجهل التام، وإنى أعلن الآن وأقسم بأن الأرض لا تدور حول الشمس». الاقتباس الثالث هو نص لعنة وتكفير ابن رشد من الكهنوت الإسلامى الذى استخدمه خليفة المسلمين للتخلص من منطق وعقل وفلسفة هذا المفكر الذى نهضت أوروبا بفكره الذى أجهضناه وأحرقناه فتخلفنا، يقول نص اللعنة الأندلسى «قد كان فى سالف الدهر قوم، خاضوا فى بحور الأوهام.. فخلدوا فى العالم صحفاً، ما لها من خلاق، مسودة المعانى والأوراق.. يوهمون بأن العقل ميزانها، والحق برهانها... ونشأت منهم شياطين يخادعون الله والذين آمنوا... فكانوا أضر عليها من أهل الكتاب... وهؤلاء قصارى همهم الغمومة والتخييل، وبث عقاربهم فى الآفاق.. فاحذروا وفقكم الله هذه الشرذمة حذركم من السموم السارية فى الأبدان، ومن عُثر له على كتاب من كتبهم، فجزاؤه النار التى بها يعذب أربابه، وإليها يكون مآل مؤلفه وقارئه، والله تعالى يطهر من دنس الملحدين أصقاعكم، ويكتب فى صحف الأبرار تضافركم على الحق واجتماعكم، إنه منعم كريم».