لا أريد أن أذكر مستثمراً عربياً بالاسم، ولا أريد أن أذكر الدولة التى ينتمى إليها، لأن الهدف ليس الاسم، وليس الدولة، أياً كانت، وإنما الهدف أن نتكلم عن ظاهرة عامة الآن فى مصر، هى إقبال الغالبية من المستثمرين العرب على شراء الأرض، بقصد «تسقيعها» وليس بأى قصد آخر، وحين يكون هذا هو القصد الواضح، من خلال عشرات الوقائع، فإن العملية على بعضها تصبح جريمة فى حق 80 مليون مواطن مصرى، وليست فى حق مليون ولا مليونين! وقد كنا إلى وقت قريب نتصور، أن «التسقيع» يمكن أن يقتصر على الأرض وحدها على اعتبار أنها لا تشرب ولا تأكل كما يقال، فإذا بنا فى غاية السذاجة والعبط، حين نكتشف أن فى بلدنا الآن تسقيعاً من نوع جديد وفريد، هو «تسقيع» المبانى ذاتها، بمعنى أن يأتى المستثمر من هؤلاء، ثم يشترى مصنعاً هنا، أو شركة هناك، لا لتطويره، كمصنع، ولا لتحسين أدائها، كشركة، وإنما للعمل بكل وسيلة، من أجل إغلاقهما معاً، وتسقيع الأرض ومن فوقها المبانى! الأمثلة صارخة، وفادحة، وفاضحة، وقد ذكرتُ بعضاً منها، من قبل، ولا أريد أن أعود إليها، ولا أن أذكر أسماء جديدة حاضرة، وموجودة، ومعروفة، ليبقى السؤال على النحو الآتى: هل من أجل هذا الهدف أنشأنا وزارة للاستثمار، وهيئة عامة للاستثمار؟! وهل يمكن أن نتخيل أن ما يجرى فى هذا الإطار، لا تعلمه الدولة، على هذين المستويين بشكل خاص: الوزارة والهيئة؟! ولا نريد أن نقول، إن وراء شيوع ظاهرة من هذا النوع، ثقافة معينة، ترى فى الاستحواذ على الأرض، غاية لا وسيلة.. لا نريد ذلك، لأن كل إنسان حر فى ثقافته التى يعتنقها، ويؤمن بها، ويعمل وفقاً لها فى بلده، ولكن ليس من حقه فى المقابل، أن يفرض ثقافته هذه علينا، ولا يليق بنا، كوزارة مختصة، وهيئة مختصة أيضاً، أن نسكت، وكأن الموضوع لا يعنينا! هناك حل وحيد، هو أن تقوم هيئة الاستثمار بإحصاء المبانى، والمصانع، والشركات، والأراضى، التى حصل عليها مستثمرون من هذه النوعية، بهدف تشغيلها، وتشغيل الناس فيها، فإذا بنا أمام هدف آخر غير معلن، هو «التسقيع» ولا شىء غيره! يريد المصريون أن يطمئنوا على أرضهم، ومصانعهم، وشركاتهم، وفنادقهم، التى اشتراها مستثمرون عرب، لضخ أموال فيها، من جيوبهم، وليس من البنوك المصرية، ولن تعرف الطمأنينة طريقاً إلى قلوبنا، إلا إذا تكلم المسؤولون عن وزارة الاستثمار، وهيئة الاستثمار، وقالوا لنا من خلال الإحصاء: كيف كان حال مثل هذه الأراضى والمبانى، قبل بيعها، وكيف أصبح الحال بعد البيع، وكم مشروعاً بالضبط، وكم قطعة أرض على وجه التحديد، تعرضت لهذا المصير، ولمصلحة من، ثم، وهذا هو الأهم، لماذا يسكت المسؤولون المعنيون وكأن فى أفواههم ماء!