كلام جماعة الإخوان عن أن التزامها بالتهدئة فى الشارع مرهون بإبعاد الجيش عن الحياة السياسية نوع من التهريج فى موضع الجد، لأن الجماعة هى أول من يعرف أن الجيش إذا كان موجوداً فى المشهد السياسى الآن فهو وجود لأداء دور وطنى مجرد، أو بمعنى أدق هو وجود لأداء مهمة وطنية خالصة، كان قد تلقى تكليفاً شعبياً بها فى 30 يونيو الماضى، من أكثر من 30 مليون مصرى خرجوا يومها فى الشوارع والميادين. هى مهمة وطنية بامتياز، وليست دوراً سياسياً بأى معنى، وهدفها الأول والأخير إنما هو الحفاظ على وحدة هذا الوطن وتماسكه وكيانه، وكلها أشياء كانت مهددة فى صميمها بشكل حقيقى، طوال عام أسود قضاه الإخوان فى الحكم. وبطبيعة الحال، فإن الإخوان، كجماعة، سوف تعيش وتموت وفى أعماقها «عقدة» من رجل اسمه الفريق أول عبدالفتاح السيسى، لا لشىء، إلا لأنه كان بطلاً فى الوقت المناسب، فأنقذ البلد من حالة من السعار، كانت قد انتابت الإخوان، وهى حالة جعلتهم يتوهمون أن مصر غنيمة لهم، فإذا بطوفان 30 يونيو يوقفهم عند حدودهم، وإذا بهذا الطوفان البشرى يكلف جيشه العظيم بأن يتدخل، ويحمى ثورته من الذين كانوا قد تخصصوا من قبل فى سرقة الثورات والسطو عليها! الجميع يعرف أن هناك حكومة برئاسة رجل اسمه حازم الببلاوى، وأن هناك رئيساً مؤقتاً محترماً اسمه عدلى منصور، وأن هناك نائباً له اسمه محمد البرادعى، وأنهم جميعاً غير عسكريين، وأن ترتيب «السيسى» فى هرم السلطة يأتى بعدهم جميعاً، بما يعنى بداهة، أن الكلام عن وجود جيش فى المعادلة السياسية، إنما هو كلام فارغ لا هدف له سوى التمحك فى أشياء غير موجودة! أما إذا كان المقصود من وراء مثل هذا الكلام، هو عدم ترشح السيسى لانتخابات الرئاسة المقبلة، فإن ذلك يدل على تفاهة أصحاب مثل هذا المطلب، لأن الرجل نفى أن تكون عنده النية تجاه ذلك، وقد جاء نفيه مرة واثنتين وثلاثاً، لعل الحمقى يفهمون، ولكن دون جدوى، ثم إن الدكتور البرادعى نفى هو الآخر هذا الأمر، أمس الأول، رغم أنه ليس من حقه كنائب رئيس أن ينفى عن السيسى شأناً يخصه، فالرجل عنده متحدث عسكرى، يستطيع أن ينفى أو يؤكد أى معلومة فى أى وقت. ولا يدل هذا المطلب منهم فى كل الأحوال، إلا على أنهم يتمحكون فى الديمقراطية ويتمسكون بها إذا جاءت بهم، ويرفضونها إذا جاءت بغيرهم. وبصراحة أكثر، وبصرف النظر عن ذلك كله، فإن هناك قطاعات عريضة جداً فى المجتمع هذه الأيام تتمنى من أعماقها لو أن السيسى كان هو الرئيس المقبل، وسوف يسعدها أن يتم ذلك، من خلال انتخابات حرة، وليست انتخابات مدعومة ببطاقات جرى تسويدها فى المطابع الأميرية لمحمد مرسى!.. وفى كل الأحوال، فإن ملف هذه البطاقات يجب فتحه على آخره، لنعرف وقتها بالضبط كيف جاء مرسى هذا إلى الحكم. السيسى رجل ينتمى إلى المؤسسة العسكرية المصرية، التى هى بيت الوطنية الأصيلة، ولذلك فهو رجل يؤتمن على وطن، فنضمن ألا يبيعه بالقطاعى، كما كان «مرسى» يريد أن يفعل!