وزارة الشفخانة «التعليم سابقا»

جلس المعلم حنفى الجزار فى مكتب سكرتارية الباشا فى إحدى غرف المبنى الوزارى العتيق وهو يمنّى نفسه بالحصيلة التى حسبما قرأ فى الجرائد أنها بدأت تزداد، وسأل مدير المكتب:
■ هاه أخبار الحصيلة إيه النهارده؟
-يعنى مش قوى.. أهالى العيال عملت محاضر فى القسم
■ محاضر؟ بأى حق؟! هو مش معاليه أعلن إن الموضوع هيبقى تحت رعايته؟
-اصبر شوية يا حنفى.. واحدة واحدة وعلى آخر السنة كل اللحمة اللى اتفقنا عليها هتتورد لك.. طب إيه رأيك بقى إن الباشا عامل لك مفاجأة هتعجبك.. أصلك غالى عنده قوى.
■ خير؟
-معاليه قرر يوفر عليك غلبة التقطيع، وأرسل أوامر سرية إن العيال تقطع الكباب، حلة لوحده والإسكالوب لوحده والموزة لوحدها علشان تستلم إنت فى الآخر نظيف نظيف.. بس هو بيستسمحك تسيب له الكبد والكلاوى أصله بيفطر بيها الصبح.
فأجابه حنفى متململا: ماشى.. بس فى النهاية العيال دى أصلا هفتانة و ضعفانة، وأنا من أول ما اتفقت مع الباشا وأنا عينى عالعيال الانترناشيونال، دول اللى متغذيين بصحيح ولحمتهم توزن.
-اصبر يا حنفى.. كله بأوانه.. ياللا بقى تعالى استلم حصيلة الأسبوع ده وماتنساش الحلاوة.
ولهذا عزيزى القارئ، عندما تسأل ابنك:«عايز تطلع إيه لما تكبر يا حمادة؟» ويجيبك بثقة:«عايز أطلع ضابط»، أرجوك لا تنهره ولا تجبه بالإجابة التقليدية: «لأ إنت هتطلع يا دكتور يا مهندس».. فحمادة الذى أعرفه كان نفسه يطلع ضابط مثل والده، فيركل ويلكم ويسٌبّ.. إلا أن والده أصر على التحاقه بكلية الهندسة.. فظلت بداخله تلك الرغبة المكبوتة فى أن «يطلع ظابط» وكم كان حمادة يختلى بنفسه فى حجرته ويتخيل أنه مكان الوالد: يركل ويلكم ويسب..
ولكنه لم يستطع أن يصر على حلمه فى أن «يطلع ظابط» وإن كان حلمه قد أصر عليه.. فرأيناه دائما ما يلجأ للعنف مع زملائه وكل من يوقعه القدر تحت يده، ونسى أنه أستاذ جامعى وأن الأستاذ الجامعى له طابع خاص يتسم بالرقى والوقار منذ أن كان منصبا لا يشغله إلا الباشوات.. ولكنه تجاهل هذا، وبدأ يجمع ملفات أمنية عن كل من يحتك بهم ويدس العسس هنا وهناك، ويستهل مناصبه بالعنف بدلا من بسم الله الرحمن الرحيم مثل بقية خلق الله ثم أخيراً أعلن أنه سيتصيد الملتحين..
وفى هذا يؤكد الطب النفسى أن الرغبات المكبوتة تكتم على صاحبها مثل كتمة الفول، إلى أن يفور الفول فتفاجئ الرغبة صاحبها وتكشف عن نفسها له وقد تنتصر عليه فيصبح عبداً لها.. ولهذا عزيزى القارئ إذا أتاك ابنك حمادة يختال ضاحكا يقول لك «يا بابا عايز أطلع ظابط»، فحقنا للدماء ورحمة بالبؤساء سيبه يطلع ظابط وبلاش كتمة الفول.