اليوم وأنا جالس أمام جهاز الكومبيوتر الخاص بي أحاول تجاهل آلام ظهري لأُبقى تركيزي مستيقظاً لكتابة موضوع جديد يرضي غروري إذ بزوجتي تفاجئني كعادتها بسؤال لا توجد لدي إجابة عليه "تفتكر صاحبتي فلانة إتجوزت مين؟"، لا أدري سبب سؤالها لمثل هذا السؤال، فأنا بالكاد أعرف صاحبتها هذه أو زميلتها في العمل! فمن أين لي معرفة زوجها والمفترض أنها تزوجته حديثاً؟؟، قلت لها بأسلوب رتيب "إتجوزت مين؟" فقالت لي "إتجوزت شحات ....."، هنا تركت الكيبورد والجهاز بأكمله والتفت لها مذهولاً "أشمشم" عن رائحة مقال جديد. طلبت منها أن تعد كوباً من الشاي و "ساندويتش" جبنة رومي وتحكي لي الحكاية "من طأطأ لسلام عليكم"، أعدت المطلوب وأعددت أنا ذهني وتركيزي وكل حواسي لسماع الحكاية الأعجوبة، قالت لي أن صديقتها كان قد تقدم لها عريس منذ سنة تقريباً وعندما سألوا عن العريس وأسرته وجدوا أنهم أناس طيبون "في حالهم" ومستواهم المادي ممتاز حيث أن هذا الشاب رغم صغر سنه إلا أنه يمتلك سيارة غالية الثمن كما أن باقي الأسرة يبدو من مظهرهم العز ثم العز ثم العز، وافق أهل صديقتها على الفور بهذا العريس "اللقطة" وهذه الأسرة الكريمة وبدأت مرحلة فرض الشروط، عاوزين شبكة ب 15 ألف جنيه، "ماشي"، عاوزين شقة مساحتها حلوة، "موجودة"، عليكم الصالون والسفرة والنوم، "موافقين"، وتمت الزيجة على خير ما يكون، بعد شهرين من الزواج لاحظت الزوجة المخدوعة أن الجميع لا يذهب للعمل بما فيهم زوجها فسألت عن طبيعة عمل زوجها الذي ظل طوال فترة الخطوبة يكرر أنه "أعمال حرة"، قال لها الزوج ببساطة" إحنا بنشتغل شحاتين، العيلة كلها شحاتة، بس شغلنا كل في شهر رمضان واللي بينطلع بيه بيظبطنا طول السنة مع شوية إكراميات بقى بقية السنة" ظنت الزوجة أن زوجها يضحك معها لكنه أكمل قائلاً "جهزي نفسك عشان هتنزلي معانا في رمضان الجاي، فاضل عليه أسبوعين كل سنة وأنت طيبة". ما سبق كان قصة حقيقية بدون زيادة أو نقصان، ويمكن أن يعرض في فيلم سينمائي ليكتب في الأفيش Based on true story، زوجتي بعد انتهت من حديثها وانتهيت أن من تناول "ساندويتش " الجبنة الرومي وشرب الشاي وجدتني غير مندهش وكأني متوقع لحقيقة مثل هذه، سبب عدم اندهاشي ليس أني امتلك الحاسة السادسة وأشعر بالأشياء قبل حدوثها أو أني أمتلك الحاسة السابعة وأستطيع قراءة ما يدور بعقل من يكلمني، كل ما في الأمر أن كان لدي سابق تجربة مشابهة لما حدث. عندما كنت طالباً في الثانوية العامة، وكأي شاب مراهق مازالت تتكون لديه مختلف المشاعر والأحاسيس السلبية والإيجابية، كنت أمر دائماً وأنا في طريقي للمنزل على "شحات" يجلس في نفس المكان يومياً، لا يتركه ولا يغيره وكأنه مكتوب باسمه، كان منظر هذا " الشحات " دائماً أو غالباً ما يؤثر في نفسي مما يجعلني أخرج من جيبي ما تبقى من مصروفي اليومي لأعطيه إياه، انحفر وجهه في عقلي من كثرة ما مررت عليه،واعتقدت أنه أصبح يعرفني من كثرة ما أعطيته، حقيقة كنت سعيداً جداً وقتها مع إحساسي أني أساعد شخص لا يقوى على العمل، إلا أن جاء يوم تبدل في الواقع، واختلطت فيه مشاعر الفرحة بالدهشة بالغضب بالحزن، فلقد قررت في يوم "التزويغ" من أحد الدروس ودخول السينما أنا وشلة أصدقاء الفشل، جلست على الكرسي المحجوز لي لأفاجأ بالشخص الجالس بجواري وهو يسألني إن كان معي ولاعة، أخبرته وأنا ألتفت إليه "لا والله مش بدخن"، كان هذا الشخص هو نفسه الشحات الذي أعطيه مصروفي، أخذ مصروفي ليشتري ملابس جيدة "أشيك من اللي كنت لابسه" ويدخل السينما "ويروق على نفسه"، خرجت من هذه التجربة وأنا عندي ثقة أن جميع الشحاتين مهما اختلفت أعمارهم أو أحجامهم أو أسباب تسولهم أو نوع العلة التي يشكون منها ليسوا سوى أغنياء ... أغنياء ... أغنياء... بخلاء ... أذكياء. تذكرت وأنا أكتب هذا المقال الكثير والكثير من حالات النصب تحت اسم التسول والتي سوف أحتاج ليوم كامل لا أتوقف فيه عن الكتابة حتى أستطيع توضيح كل المواقف التي قابلتني أنا شخصياً أو قابلت أحداً من أصدقائي أو أقاربي، وإن كنت أرى أن كل هذه المواقف والحكايات تعطي نتيجة واحدة، هي أن هؤلاء "الشحاتين" هم في الحقيقة نوع من أنواع "النصابين" الذين يستطيعون إياهم أو إقناع الناس بما هو غير حقيقي، وأنسب طريقة لإخراج زكاة المال هي إعطائها لجمعيات أو مساجد موثوق فيها، وليس لأشخاص ينفقون ضعف ما تعطيهم لشراء زجاجة مياه غازية 3 لتر. بقلم م / مصطفى الطبجي