عاشت مصر منذ ما يقرب من أسبوع إلى الآن حالة من فقدان الوعي، عندما سمعنا عن إقالة صحفي من شرفاء الصحفيين ومن أحرار الأقلام التي تخاف ولا تلقي بالاً كبيراً للمكاسب والخسائر المادية ولا حتى إلى النظام. الحقيقة التي أمامنا، والتي تتابعت عبر وسائل عدة وعبر منافذ من منافذ الضغط المباشر على الخصم بدون هوادة أو استسلام، إنما هي حقيقة مرة أشد المرارة، وهي التي تجرعتها الحرية في هذا البلد منذ ما يقرب من شهر إلى الآن. فكل شى "متظبط ومترتب" وكل شيء "متنظم ومتفهرس" "وكل فرد في البلد هيجى يوم ويقول كان هنا واحد اسمه ..... إيه مش فاكرين كان في جريدة اسمها إيه .. مش فاكرين". وكأنك ترى أيادي خفية تلعب من خلف الستار أو كأنك تشاهد محركي العرائس في مسارح العرائس يلعبون بعرائسهم فيحركوها حسبما أرادوا يميناً ويساراً لأن الأمر كله مرتبط بأصابعهم النيرة النظيفة التي تخلو من أي عيب أو نقص أو خراب ..وتخلوا من أي جريمة فكأنها بريئة براءة الذئب من دم بن يعقوب ..!! وكأن لسان حالهم يقول "هس سكوووت" .. "مفيش حد يتكلم ".. "لأن إللي هيتكلم عارف هو هيروح فين" .. "فأسكت أحسنلك" .. هكذا بانت هذه الكلمات من خلال ألسنة العرائس التي لا تتكلم، فأصبحنا نرى الجماد عديم الإرادة يتكلم من هول ما يرى على أيدي هذا النظام ..!! وهذا من باب "اضرب المربوط يخاف السايب ..!! "فبالأمس القريب كانت هناك حالات اغتيالات صحفية كثيرة أولها كان هو الفتى المشاغب الذي دائماً ما يداعب النظام بكلماته المضحكة الساخرة التي يتلوها علينا كل مساء من حين لآخر عبر شاشات التلفاز وكأن لسان حاله يقول "هم يبكي وهم يضحك، وهو دا بقى الهم اللي يضحك" أن نرى عمرو أديب في لحظة خارج اللعبة وفي لحظة أخرى ربما يكون خارج مصر بأكملها. إن كان يرى أن ما يفعله هو لصالح الوطن أو أن هذا لا يضر ولا يخل بأمن الوطن .. تفاءلت حقاً بأنه لا أمل في هذا النظام ..!! الذي لعب الدور وأبدع في أدائه في إبعاد كل معارضيه قبل الانتخابات فقد كانت الرسالة واضحة تماماً أنه لن يحدث مثل ما حدث في انتخابات 2005 ونرى الجريمة الصحفية الأخرى باغتيال صحفي في وضح النهار ولكن هذه المرة لم يُلعب الدور بإتقان وكان هذا في إقصاء إبراهيم عيسى عن الدستور وهذا يعني بكل وضوح موت الدستور إلى الأبد وموت صوت قوى للمعارضة في البلاد .. وقد كانت الأيام الفائتة أيام غم على الصحافة المصرية بأكملها إذ أنه لا نجاة لأحد من أنياب النظام الذي دبر لاغتيال صحفي بأيدي المعارضة فتحية للنظام الذي يعرف جيداً متى يلعب أداوره بحسم وقوة. خطر في بالي أن أكتب هذا المقال في الأيام المنصرمة الماضية ولكن ما جعلني أؤخر هذا الفعل هو أني كنت أود أن أرى كل فصول هذه المسرحية الهزلية التى لعبها الدكتور السيد البدوي والذي كان بطل فيها ثم بعد أن نفذ ما اُمر به جيداً قدم استقالته من إدارة الدستور..!! يا لها من سذاجة مخلوطة بنظرة غباء إلى هذا الشعب المسكين، كيف تصور السيد البدوي أن هذه المسرحية التي لم ينجح في أداء دوره فيها أن الشعب المتابع لهذه الأزمة لم يكشف خيوط المؤامرة التي لُعبت ضد إبراهيم عيسى.. أنا بالمناسبة لا أدافع عن عيسى ولا أنا في موقف يعير لي أن أدافع عن الرجل ولكني أدافع عن الحرية بوجه عام أدافع عن حقوق كل فرد فينا أدافع وأكتب لكي نعلم أن الحرية المزعومة التي منحنها إياها سيادة الرئيس في 2005 لم تكن إلا حبر على ورق لم تكن إلا كالعرائس الصمّاء البكماء التي تتحرك وفق ما يريد صاحبها لقد فرح الناس أشد الفرح بالتغييرات التي طرأت على المجتمع المصري إذ خُيل لهم ان سقف الحريات قد ارتفع إلى درجة أنك اصبحت تستطيع أن تنتقد "رئيس الجمهورية" بدون أن تُقدَّم إلى المحاكمة العسكرية مثل ما فُعل مع طلعت السادات أو فُعل مع إبراهيم عيسى أو حمدي قنديل وغيرهم .. إن هذا السقف كان مجرد قشرة ذهب ليس له إلا قيمة ضئيلة وسرعان ما تسقط هذه القشرة في أي وقت على حسب المصلحة والطلب وهذا ما حدث بكل تأكيد .. وكأن النظام ببلطجيته المعهودة يقول للشعب بأكمله - "حد ليه نفس في حاجة .. !!!"..، أيها النظام المستبد حتى النفس قد يئست من أن تكون لها "نفس" لكي تطلب منك بضعاً من الحرية تروي بها ظمأها أو تروي بها أرضها الجدبة لأنها أصبحت غير صالحة لزرع أي حبة حرية إلا بعد روي الأرض بالدماء والسهر على التغيير الحتمي الذي أصبح ليس له بديل ... أيها النظام هنيئاً لك شرعيتك الممزقة بألف ثقب وثقب هنيئاً لك شرعيتك التي صنعتها بفضل تكميم الأفواه وكسر الأقلام والعبث بكل ما هو شرعي وغير شرعي في سبيل الشرعية المزعومة المسلوبة المنهوبة المسروقة لك بالقوة من إمضاءات المواطنين المغلوبين على أمرهم من إمضاءات المواطنين الغلبانين الطيبين المطحونين المبهدلين الشحاتين الممزقين المسلوبين الحرية المخربة بيوتهم بفضل دوام سلطانكم المجيد ..!! ليست الطامة الكبرى الآن هو تسريح عيسى من الدستور لا بل الطامة الكبرى أن هذه هي البداية مجرد بداية أو قرصة ودن، وشاهدنا بعد إبراهيم عيسى حمدي قنديل يمنع من الكتابة أو يقال وبعده علاء الأسواني أيضاً ... فكانت كلها بدايات لما هو آت لكم .. بدأ العرض المسرحي بعمرو أديب ولم نعلم إلى الآن متى سيختم أو بمن يختم الاغتيالات تلو الأخرى ولا أحد يتحرك ولا أحد يحرك ساكناً إلى متى الصمت اذن ..!! هل حتى يسلبوكم حق السير في الشوارع أو الحديث حتى بحرف من اسم الرئيس كما كان يعمد في عصر عبد الناصر، وكأن الحرية إنما هي منحة من الحاكم يعطيها وقت ما يشاء وينزعها وقت ما يشاء ويُسكتُ من يشاء ويُخرسُ من أراد ... أم أن الله لم يرد بعد لهذا الشعب أن يتنفس الحرية التي منحها هو لعباده على دوام الدنيا، فقد رأوا ان الحرية كالكهرباء تقطع كثيراً لأننا اصبحنا عاجزين عن توصيلها للشعب، أو أن الشعب قد استخدمها خطأ فلذلك كان يجب عليهم أن يمنعوها حتى يتثنى لنا أن نراجع أنفسنا ونعلم أن الله حق وأننا أحسن من غيرنا بكثير واللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان وهكذا أرادوا للشعب السكوت والخنوع وقد بدأت اللعبة ولكن لا يعرف إلا الله متي ستنتهي أو من هو الضحية القادمة والاغتيال العبثي المنشود .. أقول لنظامنا الحكيم سر على بركة لا أعلم هل هي من الله أم لا ولكن إن الله أحياناً ليبارك في الشر حتى يظل يزداد ويضخم حتى تكون عاقبته وخيمة أمامه .. وأقول للشعب وبني وطني كلمات هي صادقة أود أن تنصتوا لها جيداً .. أنه إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، ولكن القدر لا يستجيب إلا بشرط واحد هو الإرادة، فحياة البشر مشروطة بأن تكون لديهم من الإرادة ما يكفي كي يُمنحوا الحرية. ويا أيها النظام أقول لك متى استعبدت الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ... فنحن حقاً في زمن اغتيال الحرية بلا شرف أو حتى ضمير ينتظر