كلام في الحب

فى الفكر الإسلامى قد يمنع تولية المرأة الولاية العامة! يعنى أنها لا تصلح لأن تكون «ريسة» تحكم دولة، وذلك استناداً إلى الحديث الشريف «خاب قوم ولّوا أمرهم امرأة»، وقد تبنى «الإخوان المسلمين» هذا الرأى مؤخرا، وأحسنوا عندما قالوا إن هذا رأى فى الفكر الإسلامى، مما يعنى أن هناك آراء أخرى.
وأستاذى الجليل إمام عصره الشيخ محمد الغزالى، رحمه الله، له وجهة نظر مختلفة، فهذا الحديث الصحيح قيل فى مناسبة معينة لا يجوز أن يتجاوزها إلى غيرها، وتفاصيل ذلك أن دولة فارس كانت قد تلقت هزيمة مؤلمة من الروم، ولم يكن هناك فى الأسرة المالكة الفارسية رجل يستطيع مواجهة هذا الموقف الصعب، واختاروا واحدة من بنات حواء لقيادتهم،
وعندما وصل الخبر إلى سيدنا النبى، عليه الصلاة والسلام، قال قولته الشهيرة: «خاب قوم ولّوا أمرهم امرأة»، فهل يعنى ذلك أن المرأة لا تصلح مطلقاً لهذا الأمر؟ يجيب أستاذنا قائلاً: القيادة أساساً للرجال، وهذا أمر بديهى ومنطقى، وهناك دول كبرى لم تصل المرأة فيها إلى الرئاسة مثل أمريكا وفرنسا التى اشتهر عنها تدليل حواء! وقد أثبتت وجودها فى بلدان أخرى، ويقول إمام عصره فى ذلك: المرأة الحديدية أو «مارجريت تاتشر» فى إنجلترا أشرف من كل الحكام العرب! وأنديرا غاندى فى بلاد الهند استطاعت هزيمة جنرالات باكستان من أصحاب اللحى والشوارب،
والأمر هنا لا يتعلق بالذكورة والأنوثة، بل بمدى كفاءة الحكم، والديمقراطية التى تحكم هذا البلد، فالحكومات التى تحكم فى العصر الحديث مختلفة عن تلك القائمة أيام زمان، حيث للحاكم سلطات مطلقة، وبعد وفاة شيخنا الجليل استطاعت امرأة إنقاذ إندونيسيا أكبر بلد إسلامى من حرب أهلية مؤكدة وهى «ميجاوتى سوكارنو» التى تولت رئاسة البلاد فى فترة عصيبة بالغة الصعوبة، ونجحت فى الوصول به إلى بر الأمان،
وفى دولة إسلامية هى «بنجلاديش» نجد امرأة تحكمها كذلك، ولوحظ انتشار القيادات النسائية بأمريكا الجنوبية بالذات فى الأرجنتين وشيلى، وأوشكت سيدتى أن تصل إلى الحكم كذلك فى كبرى الدول هناك.. أقصد البرازيل وحتى فى أفريقيا نجحت المرأة فى الوصول إلى سدة الرئاسة فى دولة «ليبيريا» التى تقع فى غرب القارة.
ويتساءل شيخنا الجليل: هل يعقل أن يتناقض واقع الدنيا مع ما جاء فى تعاليم القرآن؟ يرد على الفور: هذا أمر مستحيل بالطبع ويلاحظ أن كتاب الله أشاد بملكة سبأ وأفرد لحكايتها مع سيدنا سليمان مساحة واسعة فى سورة «النمل»، وبريطانيا العظمى بلغت ذروة مجدها فى عصرالملكة فيكتوريا، وحضرتك إذا قرأت مقالى من جديد عن نساء حكمن الدنيا فإنك تتساءل مرة أخرى عن حكمة الرسول فى قوله: «خاب قوم ولوا أمرهم امرأة» وهل هو حديث صحيح؟ نعم يا سيدى لكنه قيل فى مناسبته فقط، فلا يجوز تعميمه كما أكد ذلك شيخنا الجليل وغيره من العلماء التقاة الذين ينتمون إلى مدرسة إسلامنا الجميل.
وهؤلاء الذين يرفضون قيادة المرأة للدولة يستندون إلى وجهة نظر محترمة، خلاصتها أن الحاكم فى الإسلام هو إمام للمسلمين، ويقودهم فى الصلوات، وله الكلمة العليا فى كل ما يتعلق بالشؤون الدينية، لكن يا سادة الدنيا تغيرت، وهناك من حكام العرب والمسلمين من لم يسجد فى حياته لله، بل حارب الإسلام وأهله!! ووجهة النظر سالفة الذكر يكون لها اعتبارها عندما نرى فى عالمنا المعاصر دولة إسلامية «بحق وحقيقى»!
وأخبرك فى ختام مقالى بمفاجأة تتمثل فى أن كل النساء اللاتى وصلن إلى سدة الحكم أمهات ناجحات، والأمومة تأتى عندهن فى المرتبة الأولى، بينما شؤون الدولة رقم اثنين بعد البيت والأولاد، والمرأة لا تتغير طبيعتها سواء كانت رئيسة أو ست غلبانة!