" إهداء إلى نجوى : بطلة رائعة محمد خان فى شقة مصر الجديدة ... و إلى كل نجوى " - أعرف لماذا جئتِ ... أنتِ حتماً غاضبة منى بسبب المقال الذى أعده عنكِ بمناسبة ذكراكِ التى حلت فى الخامس عشر من أغسطس ولم أتمه حتى الآن. ابتسمت ابتسامة خفيفة : - هل أبدو لكِ غاضبة فعلاً ؟؟؟ تأملتها لحظة ... بالابتسامة اللطيفة التى تعلو وجهها و علبة الشوكولاتة الهدية التى كانت لا تزال تمسك بها .... لا ...!!! مثل هذه المخلوقة العفوية ذات العينين السوداوين المشعتين بالذكاء و الهدوء أستطيع أن أتخيلها على أية حال إلا الغضب . - اذا كنت سأغضب منكِ يا عزيزتى لأنك تأخرتِ لبعض الوقت ... فماذا سأفعل مع كل هؤلاء الملايين الذى نسونى فى زحام شهر رمضان بمسلسلاته و برامجه وولائمه . - لأنهم لم يقرأوا تاريخك يا سميرة ... لم يروا فيك ذلك النموذج للفتاة الشرقية المتحررة من جاهلية التقاليد والمؤمنة بذاتها وقدراتها، ولم يلحظوا أنك الدليل الدامغ على زيف ما يدعيه بعضهم أن مصر لم تعرف البحث العلمى قبل 23 يوليو التى انقلبت بك السيارة من فوق الجبل بعد ثلاثة أسابيع فحسب من قيامها . لقد كنت تعيشين الحلم أن يكون علاج السرطان بالإشعاع مثل الأسبرين بينما الثورة لا تزال فكرة يتداولها الضباط الأحرار فيما بينهم . - هذا صحيح، و لكن لا تنظرى إلى دور الثورة فقط من زاوية صلاح هدايت. أعرف أنه أول وزير للبحث العلمى فى مصر وأعرف أيضاً ما قرأتِه على لسانه بشأن مهزلة صواريخ الظافر و القاهر التى أخفقوا فى توجيهها أثناء التجربة التى أجريت بحضور جمال عبد الناصر حتى خشوا أن تصيب الصواريخ المكان الذى كان يجلس فيه يراقب التجربة . لكن لا تنسى أنه مثلما كانت مصر فى عهد الثورة مستنزفة الموارد فى الحروب أسيرة للكبت و الإنغلاق الذين فَرضا عليها فقد كانت أيضاً فى عهد الملكية مختنقة بأغلال الإحتلال الذى لم يكن ليسمح بالمارد الكامن داخلها بالإنطلاق . و برغم ذلك فقد ظهر قبل الثورة أستاذى و أبى الروحى على مصطفى مشرفة و نوابغ الطب مثل الجراح العبقرى على إبراهيم , و لمع من جيل أبناء الثورة أحمد زويل و غيره . إنها إرادة الإنسان التى تصنع المعجزات !! - و لكن لابد من الإعتراف أن الظروف فى عصركم كانت أكثر ملاءمة لأصحاب المواهب مثلك ... نظام التعليم مثلا ً لم يكن قائما ً على الحفظ و التلقين كما هو الحال الآن . تبتسم فى حنان : - كنت فى البكالوريا عندما لاحظت أن زميلاتى يعانين صعوبة كبيرة فى التعامل مع منهج الجبر , فقمت بتأليف كتاب يبسط المقرر و يعرضه بأسلوب سهل و طبع لى أبى منه 300 نسخة . - لم يكن رجلاً مستنيراً و متفتحاً فحسب بحيث يعلم ابنته حتى الدكتوراه فى عصر لم يكن تعليم الرجل نفسه أمراً فى متناول الجميع , و لكنه أيضاً ولى أمر واعِ و مدرك لقيمة الموهبة التى تتمتع بها تلك الإبنة . لو كنتما فى عصرنا هذا لوبخك أشد التوبيخ و قام بضربك أيضاً بسبب إضاعة الوقت فيما لا يفيد و أنت فى الثانوية العامة عنق الزجاجة !!! - و فى الغالب كان سيقتطع من قوت يومنا ليعطينى دروساً خصوصية !!! آه يا عزيزتى !!! جيلكم يمر بظروف كثيرة صعبة فعلاً لكن برغم هذا أنتم أسعد حظاً منا فى أشياء كثيرة . يكفى أن تقارنى عدد الفتيات فى الجامعات و المدارس بمثيله فى عصرنا نحن !!! - وراء كل امرأة عظيمة رجل عظيم ذو عقلية متحضرة مثل أبيك و مثل جدى لأبى الذى علّم ابنتيه و أدخل احداهما - خالة أبى - كلية الطب . و لكن حتى فى عصرنا الحالى قلة من الرجال للأسف يتحلون برجولة حقيقية كتلك التى تمتع بها جدى ووالدك رحمهما الله . - أنسيتِ المهندس أحمد شفيق والد الدكتورة درية شفيق الذى أرسل ابنته للحصول على الدكتوراه من فرنسا عام 1932 ؟؟ كم رجلاً كان يتعلم بعد الإبتدائية فى ذلك الوقت ؟؟؟ و زوجها الدكتور نور الدين رجائى , لو لم يكن رجلاً متفتحاً زاهى البصيرة ما أتاح كل مساحة الحرية التى جعلتها رمزاً من رموز الحركة النسائية فى العالم أجمع و ليست مصر وحدها .... ومع ذلك لم يتذكرها أحد هى الأخرى فى ذكراها التى حلت فى الثلاثين من سبتمبر. - صدقتِ , و لكن لا تنسى أنها أيضاً ساندت زوجها و شدت من أزره حتى تحوّل من شاب وسيم يهوى التمتع بوقته و اللهو البرىء إلى أستاذ بكلية الحقوق و محام لامع يتوافد على موكتبه الموكلون من جميع الدول العربية .. و ابنتيها عزيزة و جيهان اللتين سافرتا لتحضير الدراسات العليا فى أمريكا بعد تفوقهما فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة .إنها المثل الذى أضربه دوماً لكل من يقول أن طموح المرأة المهنى يعرقل دورها الإنسانى والإجتماعى . - و يقلل من أنوثتها أيضاً كما يزعمون !!!!! لقد كانت درية الوصيفة الأولى لأول ملكة جمال مصرية عام 1935 دون أن يمنعها ذلك من امتلاك عقل يفكر !!! أنا نفسى و أنا حاصلة على أرقى الشهادات العلمية كنت أحيك ملابسى بيدى بينما فتيات اليوم اللواتى يتذرعن بالبيت و الزوج لترك الوظيفة أو حتى الدراسة نفسها بعضهن لا يجدن حتى اعداد البيض المسلوق ...!!! إياكِ إياك ِأن تتركى هذا الظلام يطفىء الشمس المشرقة فى نفسك .. أنتِ إنسان يا عزيزتى و لست عورة و كونك من حيث الصفة التشريحية أنثى فهذا لا يعيبك بل على العكس ... أنت تتحملين من الآلام البيولوجية المنتظمة ما لا يطيق أشد الرجال بأساً أن يتحمله و تفعلين ذلك فى صمت دون أن يتأثر عملك ولا حياتك اليومية , دعكِ من الحديث عن آلام الولادة فلا أنا ولا أنتِ جربناها حتى نستطيع وصفها . - بالمناسبة ألم تشعرى بالندم قط لأنك لم تتزوجى ؟ - مطلقاً . المرء عندما يكون مقتنعاً بما يفعل لا يمكن أن يندم على تضحية قدمها فى سبيل أهدافه , كما أن توفيقى الحمد لله فى عملى النادر و المعقّد كان يجبر من حولى على النظر إلىّ نظرة مختلفة لا تختزلنى فى مجرد الأنثى المنكسرة التى يجب أن تتعلق مسئوليتها فى عنق رجل ما ... (بابتسامة خبيثة) ثم من التى تسأل هذا السوأل .. ؟؟؟ - يا سمييييييييرة ...!!! ألا تعرفين فى أى عام نحن الآن ؟؟ عندما أقول و كثيرات غيرى أننا لا نريد الزواج لأننا نجد ذواتنا أكثر فى العمل , و عندما تقول صديقتى و غيرها كثيرات أنهن عازفات عن الزواج حتى إشعار آخر نظراً لأزمة حقيقية فى مفهوم الرجولة الصحيحة لدى الغالبية من الشباب بكل أسف , فإن المجتمع حولنا قد يتعايش مع ذلك على نحو ما و إن لم يستسغه تماماً خاصة و أن حتى الفتيات نموذج "علا عبد الصبور" يتأخرن الآن فى الزواج لأسباب كثيرة اقتصادية و اجتماعية . أما فى زمنك أنتِ .... - ماله زمنى ؟؟على الأقل فى أيامنا نحن كان التمييز ضد المرأة مجرد تقاليد بالية يتمسك بها الناس لمجرد أنهم توارثوها عن آبائهم,أما فى أيامكم فثقافة " تشفير المرأة " تعتمد بشكل أساسى على لىّ ذراع نصوص الدين وهو وضع أسوأ وأصعب و أكثر خطورة , و مع ذلك كما قلت لك إرادة الإنسان هى التى تصنع المعجزات . المهم , هل قرأتِ مقالتَََى نادين البدير حياتى كعازبة 1 و 2 ؟؟؟ - بالطبع قرأتهما !!!! و لا تنظرى لى نظرة التحذير و القلق تلك !!! كتبت يوماً على مدونتى أن حياة المرء هى الفيلم الوحيد الذى لا ينجح إلا اذا كان بطله نفسه هو مخرجه ... و الحقيقة أن هذا هو شعارى فى الحياة . - يسعدنى ذلك . أتذكر أيضاً أنى قرأت لك شيئاً أعجبنى عن يوسف شاهين و كيف أن جرأته فى الجرى وراء ما يحلم به - حتى لو بدا لمن حوله غير مألوف أو تقليدى - هى التى أوصلته للقمة التى لا زال يتربع عليها حتى بعد رحيله . - فعلاً , و لا أتخيل أنه لو لم يكن مقتنعاً تماماً بكل خطوة يخطوها كان سيتحمل كل هذا الهجوم اللاذع من كل الذين اختلفوا معه . للأسف نحن فى الشرق عموماً لا نعرف ثقافة الإختلاف و تقبل الرأى الآخر . - أنتِ على حق , و مع ذلك مهما كان النقد قاسياً و جارحاً فهو على أية حال أفضل بكثير من الإغتيال . ألم يتعرض فرج فودة للإغتيال وبعده نجيب محفوظ لمحاولة فاشلة ظل يعانى من تبعاتها الصحية حتى توفى ؟ والجناة فى الحالتين لم يقرأوا كتبهما أصلاً !! - (ابتسمت) ألا تذكرين أحداً سواهما دفع حياته ثمناً لأفكاره ؟؟ - تقصديننى أنا ؟؟ (تضحك) هل تصدقين أننى حتى الآن لا أعرف من الذى فعلها ؟؟؟ - لا يا شيخة !!!! - مازلتِ يا صغيرتى لم تفهمى الدنيا بعد . لقد كان العالم يعيد تشكيل خريطته و توزيع موازين القوى عليها بعد الحرب العالمية الثانية التى حسمها السلاح النووى , و مصر الدولة الصغيرة ذات الصوت الخافت قد قفز إلى سدة الحكم فيها بضعة شبان صغار و عسكريين أيضاً ... من الذى كان سيقبل أن تصبح نظرياتى المتعلقة بتوليد الطاقة النووية من المعادن الرخيصة فى أيدى هؤلاء ؟؟؟ المستفيدون من مغادرتى هذه الدنيا أكثر كثيراً جداً مما تتخيلين !! - حديثك منطقى للغاية , و لكنه يكثف من علامات الإستفهام المحيطة بنهايتك . - و لماذا تشغلون أنفسكم بعلامات الإستفهام تلك من الأصل ؟؟؟ أتعلمين , من الأشياء المميزة جداً فى عصرنا أننا لم نكن طيلة الوقت نلتفت للوراء مثلكم ... لم نجعل من منيرة المهدية صنماً لا يُمس فأعطينا أم كلثوم الفرصة لتبنى أسطورتها . أنتم فى عصركم جعلتم منتهى أمل كل موهبة غنائية جديدة أن تتمسح ب "جيل العمالقة " رغم أنه من الممكن - بل من المؤكد - أن بينهم أصواتاً أجمل من أم كلثوم مثلما كانت هى أبرع من منيرة المهدية دون أن يقلل ذلك من تاريخ السلطانة و بصمتها على الغناء العربى . هل تفهميننى ؟؟ حتى فى موروثنا الغنائى الشعبى نسأل بهية عمن قتل ياسين دون أن نفكر فى كيفية تعويضه بمن يساويه أو حتى يفوقه .. و لِم لا ؟ لقد فقدتم سميرة موسى و لكن لا زال بوسعكم إنجاب ملايين مثلها و أفضل منها .. فبدلاً من إضاعة الوقت فى البحث عن قاتلها الذى لن يعيدها للحياة على أية حال لماذا لا تفكرون فى الأسباب التى أوصلتها إلى ما وصلت إليه ؟؟؟ ادرسوا عوامل البيئة و النشأة و التعليم و الثقافة الإجتماعية السائدة التى شكلت ملامح شخصيتها و فكروا كيف تستطيعون استخلاص المواهب من النشء بدلاً من تعجيزهم بمقارنة لا طائل منها مع أشخاص رحلوا ... أشخاص نجحوا بمعطيات مختلفة و فى جو مختلف . - لا أعرف ماذا أقول . - لا تقولى شيئاً !! فقط فكرى فيما قلته ... ابحثى بداخلك عن أقوى ما فيكِ و لا تتركى ذلك التيار الملتفت للوراء يهزمك . "تضحك" افعلى مثلما قال أحمد مكى فى أغنيته الشهيرة . - ما تحاولش تبقى حد تانى غير نفسك !! نصيحة غالية يا سميرة و تلقى هوى كبيراً فى نفسى . - الحمد لله . أتركك الآن و أنا مطمئنة. " تلقى بقبلتها الخاطفة على جبينى فأتشبث بها " - إلى أين ؟ - إلى حيث كنت . حان وقت العودة يا عزيزتى و لكن لا تقلقى .. سأتابعك دوماً من بعيد و أتمنى لكِ التوفيق . آه , و سأبلغ تحياتك لدرية شفيق أيضاً !! - السلام أمانة . - إن شاء الله ." تبتعد وهى تلوح بيدها مبتسمة " وعندما انتفضت مذعورة على صوت المنبه المزعج اللعين كانت الحجرة خالية إلا منى و من شقيقتى النائمة فى هدوء على الفراش المجاور . لقد كان حلماً على ما يبدو !! ملحوظة : قالت لى السمراء هو عنوان أول دواوين نزار قبانى الصادر عام 1944 "التدوينة هى هى على مدونتى الرئيسية بره الشبابيك " http://reeeshkalam.blogspot.com/2010/10/blog-post_368.html