كلما أطل شهر ديسمبر من كل عام طوال عشرين عاما، هى عمر مهرجان القاهرة الدولى لسينما الطفل، انتابتنى مشاعر شديدة التباين..!! بين حب الاستطلاع والفرحة بملء فراغ الوجدان وإحلال الأمل محل اليأس والإشراق يزيح الاكتئاب.. ثم يزاحمه شعور بالإحباط والغيظ والقهر من أجل أطفالنا.. ترسل الدول آخر إنتاجها من أفلام الأطفال التى تحمل فكر الدول ومسؤوليتها عن تنمية أطفالها وهم المستقبل الذى يمشى على قدمين. شعور بالمسؤولية لأننى أشرف برئاسة لجان المشاهدة لاختيار الأفلام للمسابقة الرسمية والعرض على أطفالنا.. المسؤولية لاختلاف الثقافات والتراث ثم للجوع الثقافى لدى أطفالنا وحالة التشبع والرسالات الثقافية والسلوكية والحياتية من خلال البهجة بلغة سينما رفيعة لدى أطفالهم.. سينما الأطفال فى العالم تتطور بشكل مذهل وتفتح عقولهم وعيونهم على أشياء كثيرة هى لدينا ممنوعات ومحظورات.. منذ 12 عاما شاهدت فيلم رسوم متحركة من ألمانيا لطفل ينظر من ثقب الباب على والديه يمارسان الجنس كاملا ويضحك الصبى كأنه يشاهد فيلماً كوميدياً ويسأل والده فى اليوم التالي: هل أستطيع أن أفعل مثلك؟ ويقول الأب طبعاً حينما تكبر وتصير مثلي.. وينتهى الفيلم والولد قد أشبع فضوله.. وعاد يلعب مستريحا وغير محبط. وفيلما آخر هولنديا عن ولد وبنت يلعبان ثم يكتشفان أن كلاً منهما يريد أن يقبل الآخر ويتساءلان عن القبلة!! ويسألان مدرسهما فيشرح لهما القبلة وأنها رغبة تظهر بعد أن يصبح الإنسان كبيرا. والأكثر إلحاحا على إصابتى بالإحباط تلك الأفلام التى تناقش العلاقة بالآخر كأطفال القرى وأطفال المدن والأطفال المهاجرين من الشرق الأقصى إلى أوروبا مع أسرهم للعمل.. مشاكل تناقش فى قصص وسيناريوهات ولغة سينما جيدة التوصيل للطفل وتملك إرادة وأساليب ولغة التخاطب.. سينما لها هدف المشاركة فى توصيل إنسان يبدأ حياته إلى إنسان فاعل فى مجتمعه. الهند من أولى الدول التى تهتم بالمسح الاجتماعى والنفسى للطفل سواء فى أفلام تسجيلية أو روائية وإيران أيضا تقدم أفلاماً شديدة الواقعية عن الطفل، وواقع الأطفال هناك يقترب من واقعنا خصوصا فى القرية.. وإندونيسيا والفلبين.. كولومبيا وشيلى، والغريب الذى يثير دهشتى حتى الآن أن الكاتب الكبير سعد وهبة حينما فكر فى إطلاق مهرجان دولى لسينما الطفل اجتمع بنا أنا ومديرة المهرجان سهير عبدالقادر قبل أن يعلن الفكرة، وطلبت منه أن أقدم استمارة استبيان يكون أهم نتائجها علاقة الطفل بفن السينما، وكانت الدهشة لنا نحن الثلاثة، فقد أجاب الأطفال على الاستمارة بشكل وثق علاقتهم بالسينما لدرجة أننا أحسسنا أن المهرجان ضرورة. وفعلاً أعلنّا أول دورة عام 1990 وشارك أكثر من عشرين دولة فى الدورة الأولي.. وأقبلت دول كثيرة بأفلام لأول مرة!! ومنذ أول دورة للمهرجان أشركنا الأطفال فى لجنة تحكيم خاصة بهم، وكانت المفاجأة أن الأفلام التى اختاروها لجائزتهم تقاربت، وأحيانا تطابقت، مع اختيارات الكبار!! إن أطفالنا ذكاؤهم معروف ومحسوب موقفه بالنسبة لأطفال العالم وهم فى الصدارة فى كل اختبارات الذكاء.. ولكن للأسف الشديد إن ما يقدم للطفل فى بلادنا سينمائيا لايرقى لعقولهم. وكل عام تكون لدينا مشكلة لاختيار فيلم الافتتاح حتى لا نميز دولة عن أخرى ودائما تحدونا أمنية بأن يكون فيلم الافتتاح مصرياً. وحتى الآن لم ينتج فيلم مصرى للطفل روائى طويل مثل أى دولة من الدول الذى تنتج عشرات الأفلام كل عام للطفل وعن الطفل، وطبعاً الأسباب معروفة مثلها مثل الإحجام عن أى منتج للطفل غير مستورد. الهند برعت فى تقديم كم هائل كل عام من أفلام من الطفل إلى الطفل، من أهم هذه الأفلام، فيلم شديد الإنسانية عن مشكلة أهمية الماء لكل المخلوقات من خلال رسوم الأطفال يصورون فيها حياة العالم إذا لم يكن الماء موجوداً. أما التمييز ضد المرأة فقد واجهته الهند بشهادات ثلاث فتيات يتحدثن عن حقهن فى المساواة مع الذكور وإبداء الرأى والرفض وأن يتكلمن ولا يصمتن والفيلم اسمه «تكلم» ومدته دقيقة ونصف!! تصوروا فى دقيقة ونصف فيلم أطفال يعرض قضية التمييز ضد المرأة ولدينا مجلس قومى للمرأة منذ عشر سنوات ولم يحلها بعد!! وأقام لها عشرات المؤتمرات!! المهرجان يفتتح غدا وتعرض أفلامه فى المسرح الصغير بالأوبرا وفى عدد كبير من السينمات فى القاهرة وفى بعض المحافظات.. المهرجان يعرض 58 فيلما من 52 دولة.. هل أجد مليونيرا يتبرع لتنمية أطفالنا بإنتاج فيلم للطفل؟.. لا أعتقد لأن الطفل لايرقص ولا يضحّك الظلط!! ونحن نهتم بالظلط وليس البشر. [email protected]