بالرغم من حالة القلق والتوتر والترقب التى تسيطر على أجواء دبى كمركز تجارى واقتصادى كبير فى العالم العربى أصابته الهزة الاقتصادية بعنف، فإن دبى أبت إلا أن تطرح نفسها على الخارطة الثقافية للعالم العربى الأسبوع الماضى من خلال «مهرجان طيران الإمارات الدولى للآداب». والمهرجان الذى بدأ فى 26 فبراير واستمر حتى الأحد 1 مارس 2009 استضاف ما يزيد على الستين كاتبا من العالم المتحدث بالإنجليزية والعالم العربي. جاءت مجموعة هائلة من الأسماء الكبيرة فى عالم الكتابة إلى دبى للقاء مع الجمهور العادى المحب للكتاب من مختلف الجنسيات التى تحتضنها دبي: روائيون مثل ليزلى بيرز وآن فاين وكايت موس وريتشتيل بيلينجتون وفيكتوريا هيسلوب من بين أسماء أخرى والكاتبة الهندية أنيتا ناير والصينية يونج تشانج والباكستانية كيسرا شاهراز والنيجيرية شيماماندا أدى ومن الكتاب العرب الكبار جمال الغيطانى وابراهيم نصر الله وابراهيم الكونى ومكاوى سعيد وفاضل عزاوى من بين أسماء أخرى أيضا. والجديد فى المهرجان أنه لم يحتف فقط بكتاب الأدب ولكنه استضاف كتابا للأطفال والرياضة والمطبخ وأدب الرحلات والتاريخ والسياسة والسيرة الذاتية. ولأن الحدث الثقافى احتفى بجنسيات وثقافات وأنواع أدبية عدة فقد استحق فعلا تسميته بالمهرجان. وقد تنوعت فعاليات المهرجان بين مناقشات لمواضيع مهمة مثل دور الترجمة فى العام العربى والكتابة النسوية والرقابة على الكتب وتحويل الكتب إلى أعمال سينمائية. هذا بالإضافة إلى الحوارات المنفردة مع بعض الكتاب وحفلات توقيع الكتب. وكان مشهدا فريدا أن يقف أحد الشعراء الكبار أو أحد كتاب الأطفال فى المول الملاصق للفندق يقرأ للأطفال المتجمهرين حوله شعرا أو يحكى قصصا. وقد اتسمت أيام المهرجان بزخم ثقافى جديد على دبى وهى التى حفرت لنفسها اسما فى عالم التجارة والاقتصاد. لكن ما أريد أن أتوقف عنده حقيقة هو أن هذا الحدث الثقافى بدأ كحلم أو أمنية لامرأة إنجليزية عاشت فى دبى منذ ستينيات القرن العشرين. تمنت إيزوبيل أبو الهول منذ أعوام عديدة أن يحتضن بلدها الثانى الثقافة ويجعل منها قبلة للمقيمين فى دبى والعابرين كذلك. ولم يلبث حلمها أن جذب إليه من مكنوها من تحقيقه. وعندما تتحدث إيزوبيل عن بذرة الفكرة فهى تختار وصفها ب»الرواية». تقول «بدأ هذا الحدث، الذى يطيب لى تشبيهه بالرواية، يتلمس طريقه إلى النور منذ ما يقارب العامين من خلال نقاشات وأحاديث كانت تدور بين بعض شخصياته والتى نتج عنها تبلور مبدئى للفكرة ووضع الخطوط العريضة لأحداث الرواية. بدأت حبكة الرواية تتطور مع دخول موريس فلانجان، نائب الرئيس الأعلى لمجموعة طيران الإمارات، فى تسلسل الأحداث عند الصفحة 10 من الرواية تقريبا، وقد كان لدخوله أكبر الأثر فى جعل هذا المشروع يبصر النور. تلاه بعد ذلك دخول هيئة دبى للثقافة والفنون الراعية للمهرجان إلى مسرح الأحداث، ومع دخولها بدأت مفردات جديدة مثل الكتابة والقراءة والاحتفال تظهر إلى حيز الوجود». كان لى حوار منذ عام تقريبا مع أديب مصرى شاب كانت وجهة نظره معبرة إلى حد كبير عن حال المصريين القلقين على دور مصر الثقافى فى المنطقة. وكان لديه توجس من رغبة الخليج العربى فى جعل نفسه مركزاً ثقافياً لن يلبث أن يسرق من مصر دورها القديم الرائد. ولم أشاركه وقتها هذا القلق. فمازلت على يقين أن دور مصر الحقيقى وفرادتها تتلخص فى قدرة مبدعيها وكتابها على العطاء والاستمرار فى المساهمة فى الخارطة الثقافية العربية. المسألة ليست مؤتمرات وجوائز فقط وإن كان هذا العنصر شديد الأهمية فى دعم الثقافة ومنحها نفسا أطول للاستمرار وسط الظروف العربية الصعبة. وبالتالى علينا كمصريين أن نتخلى عن تعصبنا لفكرة «الريادة» التى كبرنا عليها بتأييد إسهام أى بلد عربى فى دعم الثقافة والمبدعين.