لم يكتف المسؤولون عن إدارة العدالة فى مصر المنكوبة بالخراب الذى آل إليه نظام التقاضى، حتى أوصل المواطن إلى انعدام الثقة فى جدواه.. فتفتقت أذهانهم عن مشروع جبائى رهيب بشأن الرسوم القضائية، يدق المسمار الأخير فى نعش العدالة المحتضرة منذ زمن.. أخطر ما فى ذلك المشروع ليس مجرد زيادة فئات بعض الرسوم الثابتة لعشرة أضعاف، وإنما تكمن الكارثة الحقيقية فى تعديل نص المادة التاسعة الذى كان ينص على ألا تحصل الرسوم النسبية «أى عند قيد الدعوى» على أكثر من ألف جنيه، ثم لا يسوى الرسم إلا طبقاً لما تحكم به المحكمة.. فكان الحد الأقصى لما يحصل عند قيد الدعوى لا يزيد على خمسين جنيها.. أما المشروع المعيب فيقضى بتحصيل نصف الرسم النسبى على الدعوى التى تزيد قيمتها على أربعين ألف جنيه! ولأن الرسم النسبى يصل إلى خمسة فى المائة من قيمة الدعوى فإن من يرفع دعوى تعويض مثلاً بمبلغ مليون جنيه ستحصل منه حكومة الجباية، مبلغاً قدره فقط خمسة وعشرون ألف جنيه عند قيد الدعوى!! فإذا حكمت المحكمة بعد عشرات السنين بمبلغ تعويض لا يجاوز مثلاً ألف جنيه، أو لم تحكم بأى تعويض، يكون من حق المواطن المقهور المنكوب أو ورثته المطالبة أو استجداء الدولة لرد ما حصلته منه دون وجه حق!!.. ولم يوضح لنا المشروع العبقرى كيف ستستحل الحكومة تلك الأموال طيلة تلك المدة؟ وإن كانت ستعتبرها قرضاً حسناً تحصلت عليه من المواطن المقهور بغير رضائه، أم أنها سترده مع الفوائد والتعويضات؟ أم أنها ستحيله إلى المحكوم عليه ليطالبه باسترداده منه بعد نزاع قضائى جديد، تحصل عليه حكومة الجباية الرسم مرة ثانية وثالثة وهكذا دواليك؟؟. إن هذا التشريع فادح الظلم والاجتراء على العدالة، إذ يمثل قيداً مانعاً لاستعمال حق التقاضى الذى كفله الدستور، حيث لن يستطيع المواطن أن يلجأ بطلب للقضاء بما يرى أنه حقه وإنما فقط فى حدود ما يملك من المال الذى يمكنه من السداد المقدم للرسم النسبى الذى يفرضه ذلك التشريع الجائر، وبالقياس على قوانين الضرائب التى تقضى بأن حق الدولة فى تحصيل الضريبة لا ينشأ إلا من خلال نشوء واقعة تحقيق الممول للربح، كذلك فإن حق الدولة فى تحصيل الرسوم القضائية لا ينشأ إلا بعد صدور الحكم، ولا يمكن للحكومة أن تتحايل وتلتف حول هذه الحقيقة بالزعم بتحصيل نصف أو ربع ذلك الرسم، فإن ذلك يعد عدواناً صريحاً على حق التقاضى وحق الملكية الذى يحميه الدستور!! هشام المهندس - المحامى [email protected]