البابا تواضروس في زيارة لدير العزب بالفيوم    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من جنوب إفريقيا للتعرف على تجربة بنك المعرفة    كل ما تريد معرفته عن تشكيل وموعد الإعلان عن الحكومة الجديدة 2024    تراجع حاد لأسعار الذهب العالمية.. الصين وأمريكا وراء الانخفاض    أسعار الكتاكيت اليوم 10-6-2024 في الأسواق.. «الأبيض» ب24 جنيها    بورصة باريس تسجل خسائر فادحة بعد نتائج الانتخابات الأوروبية    تراجع معدل التضخم السنوي في مصر إلى 27.4% خلال مايو الماضي    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ برنامج خدمات الصرف الصحى المستدامة    الحج قديما.. كيف ظهرت مهمة المطوف ليكون مسئول مباشرة عن الحجاج منذ وصوله إلى مكة؟‬    جيش الاحتلال الإسرائيلي يحذر سكان جنوب لبنان قبل قصف بلداتهم    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    انتخابات تشريعية عاجلة بفرنسا.. هل يعود اليمين المتطرف للمشهد السياسي بعد غياب؟    مظاهرات في ألمانيا وأمريكا تطالب بوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة    السلطات السعودية تضبط عصابة لترويج حملات حج وهمية    الدفاعات الجوية الروسية: تدمير 4 مسيرات أوكرانية فوق مقاطعة بريانسك    تحقيق في الأهلي بسبب هدف كهربا أمام النجوم    موعد مباراة مصر وغينيا بيساو.. المعلقين والقنوات الناقلة والتشكيل المتوقع    " رمضان صبحي لن يتم إيقافه يوم" تعرف على سيناريوهات أزمة نجم بيراميدز    الأرجنتين تنتصر وديًا على الإكوادور    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحان التربية الوطنية للثانوية العامة    وزارة الصحة: تقديم خدمات الكشف والعلاج ل10 آلاف حاج مصرى لبعثة الحج الطبية    «ابني بيمتحن يا وديع».. أيمن قنديل أمام لجنة مدرسة بالدقي للاطمئنان على نجله بالثانوية عامة    الإعدام لكهربائي لاتهامه بقتل طفلة بالطالبية    «مكافحة الإدمان»: تنفيذ برنامج الوقاية من المخدرات لرفع وعي طلاب 7500 مدرسة    الحكم في طعن «شيري هانم وابنتها زمردة» على سجنهما 5 سنوات| اليوم    عرض فيديو لمراجعة جماعية لمدرس جيولوجيا يثير الجدل في 6 أكتوبر    لميس الحديدي تعلن عن إصابتها بالسرطان    هنا الزاهد تمازح الجمهور بفيديو لرحمة أحمد.. والأخيرة: «هفرد وشي»    قوات الاحتلال تعتقل 30 فلسطينيا بالضفة الغربية والحصيلة 9155 منذ 7 أكتوبر    «مرتبطون بوالدتهم ولا يفعلون شيء بدون رأيها».. احذري من رجال هذه الأبراج قدر الإمكان    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    هل الغش في الامتحان يبطل الصوم؟.. «الإفتاء» توضح    حياة كريمة .. جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    قافلة طبية مجانية بقرية ترسا لمدة يومين بالفيوم    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    ممنوعات يجب تجنبها مع طلاب الثانوية العامة طوال فترة الامتحانات    5 معلومات عن زوجة أمير طعيمة الجديدة.. ممثلة صاعدة وخبيرة مظهر    «ابعت الأسئلة وخد الحل».. شاومينج يحرض طلاب الثانوية العامة على تصوير امتحان التربية الدينية    أول إجراء من وزارة الرياضة بشأن أزمة «الدروس الخصوصية» في صالة حسن مصطفى    بشير التابعي: الأهلي في حاجة للتعاقد مع أحمد حجازي    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    سها جندي: نعمل على تدشين المركز المصري الإيطالي للوظائف والهجرة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    مع فتح لجان امتحانات الثانوية العامة 2024.. دعاء التوتر قبل الامتحان    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    لأول مرة مقاتلات أوكرانية تضرب عمق المناطق الروسية    ضياء رشوان: الرئيس السيسي يضع عينيه على المستقبل    الفلسطيني أمير العملة يتوج بذهبية بطولة العالم بلعبة "المواي تاي"    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    ضياء السيد: عدم وجود ظهير أيسر في منتخب مصر «كارثة»    عمر جابر: أنصح رمضان صبحي بالانتقال ل الزمالك.. وجوميز جيد ويكفي أنه تعلم من فيريرا    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سأحلم فى الثمانين
نشر في المصري اليوم يوم 26 - 02 - 2010


لى صديقة إيطالية عمرها خمسة وثمانون عاماً.
تملك وجها جميلاً وقواماً أنيقاً.
تعرفت إليها قبل سنوات.
اسمها آن.
اسم أوروبى قديم.. تستيقظ مبكرة وتجلس على إحدى طاولات المقهى فى الحديقة الخلفية لفندقها المطل على نهر آرنو.
أجلس معها ونحكى قصصاً عن كل شىء.
حين بدأت تعتاد رفقتى شكت لى عن حالها.
وحدتها والكآبة التى تعانيها فزوجها قد توفى قبل نحو عامين وتركها وحيدة.
وفى وقت من أوقات الصباح قلت لها، كمحاولة لحل وحدتها:
ماذا عن أهلك وأبنائك؟ ردت: أين هم؟ حين تكبرين ستفهمين معنى آهاتى.
تمنيت وقتها أن أموت قبل أن أكبر إن كنت سأصبح عجوزاً مكتئبة.
تصورت نفسى متقدمة فى السن.
مثلها وحيدة فى الحديقة أشرب القهوة مع رفيقة شابة تؤانسنى دون جدوى.
وفى حزن بالغ سألتها:
هل ستبقين هكذا؟ لم لا تجددين علاقاتك مع أقاربك؟
قالت آن، العجوز آن:
- وماذا سأفعل بأقاربى.
هل تظنين أن أحدا منهم يمكنه تعويضى عن رفقة الشريك والأنيس؟ ما أريده ليس ذلك.
ما يشغل بالى كل يوم أنى أريد الزواج.
وما يوترنى أكثر أن شخصاً صديقاً لعائلتى أحبنى حبا رومانسيا من النوع الصامت.
أبدى إعجابه بى قبل عدة سنوات لكنى وقتها كنت متزوجة.
أفهمته سوء ما يقول فانسحب بهدوء.
هو يسافر كثيرا ولم يعلم بعد أن زوجى قد مات.
وبصراحة أود لو أرتبط به، أشعر نحوه اليوم بعاطفة غريبة لكن من سيعلمه أنى أرملة الآن؟
- ياااا سلاااام..
قلتها بالعربية.
وأنا أتخيل جدتى تعلن لنا عن رغبتها فى الزواج.
قالت لى عفوا؟
الطاعنة التى كنت أظنها عجوزا لديها حبيب غائب.
وتعانى الكآبة لأنها تريد رجلاً بعينه.
ابنة الخامسة والثمانين تعيش قصة حب.
لا بد أنها وصلت لمرحلة الزهايمر وتعانى أمراض الشيخوخة.
نعم هذا هو تحليلى المنطقى والأخير.
بعد ظهر ذلك اليوم صار كل تفكيرى منحصرا بآن.
أجول شوارع فلورنسا وأنا أفكر بها.
لم يقنعنى تحليلى لخرفها.
ماذا لو أنها كانت بكامل قواها وتفكر جديا بالحب.
فى المقاهى وعلى الأرصفة الضيقة يجلس ويسير عشرات الرجال والنساء.
عدد كبير من الطاعنين والطاعنات.
يمسك بيدها برقة وتتأمله بحب لساعات وساعات.
هل تكون آن حقيقة؟
بعد حديث بينى وبين موظف الاستقبال وعدة أسئلة عنها.
وجدت أن جميع العاملين والعاملات فى الفندق الصغير أقاربها.
ابنها.
حفيدتها.
زوج ابنتها..الجميع قريب لها.
لماذا أخفت عنى ذلك؟
استيقظت اليوم التالى قبل المعتاد وبسرعة نزلت السلالم ورحت أنتظرها.
سأفاجئها.
ستدهشها معلوماتى عنها.
وقد تصمت لدقائق أمام اكتشافى لحقيقتها، ومؤكد أنها ستبدأ بالدفاع عن نفسها.
ستقول إنها كبرت وما عاد بإمكانها تمييز الأشخاص.
وستعترف أنها أصبحت طاعنة تنسى الوجوه وستنتهى بحقيقة أن عاشقها من صنع خيالها العجوز.
وبصراحة فإن هذا ما أراده اللاشعور بداخلى.
أن تعترف بعدم وجود حبيب.
لماذا أفكر هكذا؟ ولم أهتم؟ لا أعلم.
ربما أردت أن أثبت أن ما نشأت عليه وفهمته لم يكن خطأ.
- عائلتك كلها حولك.
لماذا لم تخبرينى.
أجابت العجوز بابتسامة ساخرة:
- وهل تسمين هذه عائلة.
كلهم عاديون يسيرون وفق جدول زمنى محدود دون أى إبداع.
أعمل جاهدة لتطوير الفندق وجعله أفضل الفنادق.
أما هم.
فحالما ينتهى العمل يذهب الجميع لمنزله وأبقى وحيدة بأفكارى وطموحاتى.
لا تحسبينى مدللة بل هم المدللون.
أحد حلول مشكلتى هو البحث عنه.
بمناسبة البحث هل تأتين معى أريد أن أبحث عن منزل صديقة قديمة.
- أين منزلها؟
- هو على الضفة الأخرى من النهر لكنى لم أعد أذكر بأى مبنى.
- لم لا تسألى رفاقك أو تحاولى معرفة العنوان بدل البحث المرهق؟
- وما الضرر.
أنت صبية.
سنسير ونكتسب صحة إضافية من سيرنا.
مشيت معها.
قطعنا الجسر وسرنا وأنا لا أصدق ما تفعله، تبحث فى قائمة أسماء السكان المعلقة على بوابة كل مبنى بالحى.
حاولت اللحاق بخطواتها وتقليد حركتها الرشيقة.
تعبت من المشى دون أن يفارقها النشاط.
وأخيرا وجدنا منزل الصديقة القديمة.
عرفت الآن أنها امرأة تتمتع بقوة وعافية وروح حياة ولا يشبعها حجم عائلتها.
ليس قلق آن ناتجا عن خوف من النهاية.
بل قلق يجلبه حب الحياة والطموح المتجدد.
هذه صفة الشباب.
- أنا لست محظوظة يا نادين.
مشكلتها أنها لا تعلم كم هى محظوظة.
- من حيث أتيت تعتبر مثيلاتك محظوظات للغاية..
وجه جميل رغم العمر الكبير.
أناقة.
صحة ونشاط.
فندق على ضفة نهر آرنو أحد أهم الأماكن بفلورنسا.
عائلة.
وأجمل مدينة بإقليم توسكانا الإيطالى.
مدينة تجعلك تفكر ألف مرة قبل أن تستسلم للموت.
من حيث أتيت امرأة الخامسة والثمانين لا مكان لها فى المجتمع سوى الجلوس بزاوية صغيرة بالمنزل.
ومن حيث أنا آتية جريمة أن تفكر الأرملة الثمانينية بالزواج.
كما لا يفكر أحد بأن يبدى إعجابه بامرأة فى السبعينيات.
ابن الثمانين هنا يريد الزواج بابنة العشرين.
ينتهى عمرها مبكرا.
ينتهى حقها فى التفكير.
تنتهى رغبتها فى الحياة.
وتحرم من الحلم.
وإذا ما راودتها الأحلام يقال إنها دخلت مرحلة التخريف.
فى قاموس آن ونساء مجتمعها لا ينتهى الإنسان حياً.
أهى فلورنسا؟ أم هو مجتمع يؤمن بقيمة الإنسان؟ وفى قاموسنا تموت المرأة قبل أن تبدأ.
كل شىء ينصحك: موتى قبل الثلاثين.
أما أنا فلا أريد أن أتقاعد عن الحلم كجدتى.
أريد أحلم مثلما تحلم آن.
أريد أن ترهقنى الأحلام حتى الموت.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.