فى نهاية هذه السلسلة دعنى أحدد بعض النتائج الرئيسية التى توصل إليها التحليل: أولاً: فى سياق نموذج التحليل، وهو نموذج " الوقائع غير المألوفة"، يمكن القول إننا نتوقع انقطاعا وتغييرا فى النمط العام للعلاقات الامريكية المصرية أكثر من استمرارها. ويرجع ذلك، كما أوضحنا، إلى عدم التآلف وازدياد عوامل الاختلاف فى رؤية عقلانية السلوك، الذى نما وتحول خلال المدة الطويلة من العلاقة، بين الطرفين. فكلا الطرفين انجذب إلى الاخر تاريخيا لخلق واقع جديد فى الشرق الاوسط، ولكن يبدو أن العوامل الاقليمية المشتركة الجاذبة وهنت عبر الزمن، مما أدى الى ازدياد الصراع بين العوامل المبعوثة وفق المصلحة الوطنية بين الطرفين، بعبارة اخرى، إن الطرفين بسبب عدم استمرار قوى الدفع الاقليمية الموحدة لهما وقعا فى براثن الاستقواء بقوى المصلحة والأمن الوطنى المميزة لكل منهما. ثانيا: فى سياق هذا النموذج يقدر السلوك فى إطار مفهوم الممكنات وليس فى إطار مفهوم الاحتمالات، بمعنى أن العلاقات المصرية الامريكية صار واضحا عليها عدم القدرة على التطور التدريجى الإيجابى او السلبى، ولكن القابلية إما للانكسار أو لعودة الانبثاق والتجدد. وهذه الخاصية مرتبطة بعدم قدرة البلدين على خلق قاعدة استراتيجية موحدة للتفاهم عبر القضايا الإقليمية والداخلية، ربما كانت هناك محاولة نحو ذلك فى محاولة إطلاق حوار استراتيجى رسمى بين الطرفين، وبالتالى الانتقال من مستوى التفاهمات الاستراتيجية الجزئية إلى التعهد الشامل فى وثيقة رسمية بين الطرفين. كما هو الحال فى العلاقات الاسرائيلية الامريكية، ونذكر أن الرئيس السادات كان يفضل وجود مثل هذة الوثيقة كأساس للعمل الاقليمى المشترك مع الامريكان، ولكن قيادات مؤسسية كبرى فى الدولة المصرية فضلت استمرار العلاقة على مستوى التفاهمات الجزئية والتنظيمية دون تطويرها الى مستوى الوثيقة الشاملة، اعتقادا منها أن هذا يوفر قدرًا اكبر من الحركة والمناورة لمصر فى مواجهة تحولات أطراف النظام الاقليمى العربى والشرق اوسطى، الامر الذى فضلته قوى نافذة فى صنع التوجهات الامريكية فى الشرق الاوسط. ثالثا: صياغة العلاقات بهذا الشكل أعطاها قدرا من المرونة الوظيفية، ولكن ختم عليها كمصدر مستمر للازمات. هاتان الخاصيتان تلخصان القيود الموروثة فى العلاقة وممكنات التحول المفاجئ او غير المتوقع. الامر الذى استدعى دائما وجود آليات رسمية مؤقتة، وفى بعض الاوقات غير معلنة، لتنشيط العلاقة مثل السفر المصرى المتكرر لطرق ابواب الامريكان، واستخدام القناة الاسرائيلية لإفراز تطمينات مصرية امريكية على المدى القصير، والمحاولات الامريكية الرسمية المتكررة فى خلق مناخ مدنى متعاطف معها داخل مصر. والتوجه نحو الشخصنة بمعنى ربط صحة العلاقة بعدد زيارات رئيس الجمهورية لامريكا او الاختبار المتكرر للنوايا الامريكية بشأن مسألة الخلافة السياسية، التأكيد المستمر لوجود تنسيق امريكى مصرى ما حول قضية ما، كمؤشر لصحة العلاقة الكلية كمسألة المناورات او إعادة توزيع نسب المعونة القادمة من وزارة الخارجية الامريكية، او نسب الاختراق التجارى المصرى للسوق الامريكية. رابعا: أما بشأن التساؤل حول سيناريوهات المستقبل القريب للعلاقة. فيمكن القول إن هناك أربعة ممكنات لتحول العلاقة: 1- التحول الى التريد. 2- التحول الى المؤسسية الشاملة. 3- التحول الى تقليص العلاقة. 4- زيادة الاضطراب. التحول الاول تأتى إمكانيته من الرغبة الاستراتيجية فى الحفاظ على العلاقة، ولكن مع عدم القدرة على تحمل تكاليفها لكلا الطرفين، والتحول الثانى يأتى من الاعتقاد بأن عدم تطوير العلاقة مؤسسيا سيصيب كلا الطرفين بأضرار عميقة اقليميا وربما دوليا، والتحول الثالث يحتوى على تقليص المظاهر غير المهمة والاستراتيجية فى العلاقة وقصرها فقط على مظهر او مظهرين مع تعميقهما مؤسسيا. أما التحول الرابع فيأتى نتيجة أن القوى المؤسسية والاجتماعية المرتبطة بمجال العلاقة فى البلدين تصير غير قادرة على الاجتماع حول قرار استراتيجى بشأن العلاقة، فنشاهد مظاهر من تفتت العلاقة واضطرابها المتزايد وعدم استقرارها حول نمط او موازين محددة.