«بناء مسجد.. المشاركة فى إنشاء مستشفى خيرى.. إقامة أعمال خيرية.. التبرع للأيتام والمرضى وذوى الاحتياجات الخاصة» تلك هى الأعمال الخيرية التى لجأ إليها أهالى ضحايا العبارة «السلام 98» الذين تسلموا مبالغ التعويضات بعد الحادث.. وآخرون أودعوا أموالهم فى البنوك لتأمين مستقبل أبناء الضحايا.. ومجموعة ثالثة احتفظت بالأموال فى منازلها لا تعرف كيف تتصرف فيها. «المصرى اليوم» رصدت أحوال أسر الضحايا، بعد 3 سنوات من الحادث الذى وقع فى 3 فبراير 2006.. ففى محافظة المنيا، ارتفع مسجد مكون من طابقين يحمل اللون الأبيض، حمل اسم «الفرقان»، أنشأته أسرة عيد عبدالسلام حمودة أحد ضحايا العبارة، علقوا عليه لافتة تحمل «ادعو لأموات المسلمين الذين ابتلعتهم أمواج البحر». والد «عيد» قال ل«المصرى اليوم»: «لن نصرف مليماً واحداً من أموال التعويضات التى حصلنا عليها على أنفسنا.. أقمنا بها المسجد، أعطينا فتاة يتيمة مبلغ 50 ألف جنيه لتتزوج به، وباقى المبلغ تم صرفه على المسجد». «محمد عبدالسلام» شقيق الضحية، قال «أقمنا مسجداً يكون مكاناً يتعبد فيه الناس ويدعون فيه بالرحمة لأخى.. الذى أكلته أسماك البحر الأحمر».. وأضاف: لا نملك الآن إلا الدعاء له بالرحمة، أما من قتلوه فشأنهم عند ربهم. وفى مدينة «دسوق بكفر الشيخ، ارتفع مسجد آخر من طابق واحد أقامه ياسر عبداللطيف عليوه «مدرس»، بأموال التعويضات التى تسلمها بعد وفاة والده فى الحادث.. تسلم مبلغ 300 ألف جنيه.. صرف مبلغ 200 ألف جنيه فى بناء المسجد، وأنفق المبلغ المتبقى بين إنشاء مكتب لتحفيظ القرآن وثلاجات مياه فى الشوارع لعابرى السبيل، «ياسر» قال: «فى البداية كنت رافضاً تماماً فكرة أخذ التعويض.. ولكن بعد أن جلست مع أشقائى وأحد المشايخ، اتفقنا على أخذه وإنفاقه فى أعمال الخير.. وأضاف لو تركناه لاستفاد به المتهمون.. وأصحاب أعمال الخير والأهالى يستحقونه أفضل منهم، على الأقل من الممكن أن تشفع وتغفر لصاحبها». العام الماضى فقط، وبعد سنتين تقريباً من الحادث، أفاق عم «فاروق» من صدمة حزنه لفقدانه زوجته وابنه، بعد أن كان قد هجر الحياة وغرق فى أحزانه لأشهر طويلة قضاها منعزلاً داخل منزله الكبير فى محافظة القليوبية وبالتحديد فى مدينة طوخ.. أقاربه وجيرانه طالما زاروه وحاولوا أن يخرجوه من عزلته، إلا أن الصدمة كانت أقوى من احتماله. وأبناء عمومة عم «فاروق» كانوا معه عندما تسلم مبلغ التعويض، حملوا المبلغ وعادوا إلى المنزل.. تركوا له حقيبة المال داخل إحدى الغرف، ورحلوا عنه، ظل المبلغ كما هو لأشهر طويلة، ينقله من غرفة إلى أخرى.. ومن دولاب إلى آخر، لا يعرف وربما لا يفكر.. ماذا يفعل فيه؟ مرت الأيام وفى إحدى الجلسات الأسرية عرض عليه أقاربه توجيه المبلغ إلى أفعال الخير، اتفقوا فيما بينهم على إنشاء مجمع طبى يعالج الفقراء بالمجان. قال الأب: «كلما ذهبت إلى المجمع الطبى.. وشاهدت المرضى الذين يدعون لأصحاب المجمع بالرحمة والمغفرة يهدأ قلبى.. وأشعر أن ابنى يرقد فى قبره مستريحاً، ومثل باقى الأهالى كنت أتردد فى قبول التعويض.. لكنى وقتها، لم أكن أدرى بشىء.. ولا أعرف كيف أخذت المبلغ ولا أين ذهبت وقتها كانت الحياة بالنسبة لى كلها أوهام، ولا أعرف من أنا ولا أين أعيش، كل ما كنت أتذكره فى تلك اللحظات أن ابنىّ (محمد)و(إسماعيل)رحلا عن الحياة». وأضاف الأب: «ظل المبلغ الذى أخذته على سبيل التعويض ملقى فى الشقة، ولم أفكر فيه للحظة واحدة، إلى أن جاء أحد (أقاربى) وقال هذا المبلغ لابد أن يستفيد منه المرضى الفقراء، وقتها فكرنا فى مشروع.. ولم نجد غير المجمع الطبى». وفى حى الوايلى بالقاهرة.. وبالتحديد فى شارع السكة الجديدة، وعندما تقترب من مسجد «الرحمن»، ستجد إلى جواره مبنى صغيراً من طابقين.. عليه لافتة مكتوب عليها «دار الرحمن للأيتام» صاحبها أكلته أسماك البحر.. رحل مع من رحلوا فى ظلمات الليل.. شقيقته «أمنية» صرفت مبلغ 350 ألف جنيه كتعويض على فقدانه فى الحادث.. لم تنفق جنيهاً واحداً على نفسها أو على أحد أبنائها - كما قالت لنا ساعدها أحد جيرانها فى استخراج تصريح من وزارة الأوقاف، لإنشاء دار للأيتام وتم بناؤها بعد 7 أشهر من الحادث. وعلقت شقيقته صورة الضحية داخل المبنى، وقالت ل«المصرى اليوم»: لو كنا رفضنا المبلغ لما كنا سنستفيد شيئاً.. المتهمون يحاكمهم القضاء وحسابهم الأكبر فى الآخرة عند الله.. أما الأموال فمن الأفضل أن نستفيد بها فى أعمال الخير.. لتكون صدقة جارية للمتوفى». وأضافت: تبرعت بجزء من المبلغ لدار لتحفيظ القرآن بالمنطقة وشراء مصاحف وإيداعها المساجد بالإضافة إلى التبرع لذوى الاحتياجات الخاصة ومستشفى سرطان الدم. وفى سوهاج والمنصورة كان هناك عمل مشترك بأموال الضحايا.. أسرة أحمد سيد عبدالنور وأسرة مدحت رشاد، وجهتا أموال التعويضات لنفس الشىء. قررتا مساعدة الفتيات اليتيمات فى الزواج، أشترتا لهن الأثاث وأقامتا لهن حفلات الزفاف. هؤلاء أفراد من أسر ضحايا العبارة «السلام 98»، أنفقوا أموالهم فى أعمال الخير، وهناك آخرون أودعوا أموال التعويضات فى بنوك لحين أن يشب أبناء الضحايا ويستطيعوا التصرف فى أموال والديهم، وآخرون احتفظوا بأموالهم فى المنزل، لا تستطيع أيديهم أن تمتد إليها، كلما شاهدوها تجددت أحزانهم لفراق أحبابهم.. وهناك آخرون يرفضون حتى الآن تسلم التعويضات، معتبرين أن تعويضهم الوحيد هو «سجن المتهمين المتسببين فى غرق العبارة وقتل أبنائهم».