«ما معنى أن تكون مدرب كرة قدم؟ إنه سؤال يستحيل الإجابة عنه تقريباً ولكنه يرتبط بشكل شبه مؤكد أيضاً بتفهم واضح. وما هذا التفهم؟ بخلاف الدراسة، توجد الكفاءة والمعرفة التى تملأ ساحة الملاحظة (كما يقال من يعرف عن الطب فقط، لا يعرف عن الطب شيئاً). لأن الرجل، بخلاف كونه مخلوقاً بيولوجياً وطبيعياً، هو مخلوق حضارى أيضاً بكل تأكيد. فكيف يمكننى إذن أن أصف الشكل الذى يمكن أن يكون عليه المدرب الجيد؟ ومن بين عدة أمور مختلفة، يبدو لى أنه يجب توافر سمة إضافية بخلاف التفانى والإرادة وكل العناصر الأخرى التى تدل على كفاءة المدرب. وهذه السمة الإضافية يجب أن تتعلق بالموهبة أو شىء فريد من نوعه كطريقة مختلفة للملاحظة أو الإحساس أو التحليل. ولتأخذوا على سبيل المثال حالة عازف الجيتار. قد يتمكن عازف الجيتار الشهير باكو دى لوسيا من تعليم تلميذ ما كل شىء ولكنه سيظل مع ذلك شيئاً متفرداً ومختلفاً. ولا يهم هنا كم حاول باكو جاهداً تعليم هذا التلميذ، فهو لن يتمكن أبداً من أن ينقل إليه طريقته فى الاستماع لمقطوعة موسيقية أو روحه وإحساسه. بالتأكيد سيتمكن باكو من مساعدة التلميذ، ولكن ما أود قوله هو أن الأمر لا يتوقف على حالة باكو دى لوسيا أو رينوس ميشيلز أو يوهان كرويف، بل الأمر يتعلق بهم جميعاً وبنا جميعاً. ربما فى الوقت والمكان الصحيحين، بوسعنا أن نحاول كشف الأكاذيب الواضحة إذا ما تمكنا فقط من توحيد صفوفنا وقمنا بنبذها، وأن نتمكن فى الوقت نفسه من محاربة قطاع من الإعلام يسىء إلى كرم لعبة كرة القدم بالتواطؤ مع المدربين. وبعض هؤلاء المدربين، على فرض أنهم غير معدين جيداً أو على اعتبار أنهم لديهم حماية خاصة، هم من يسمحون لهذه الأكاذيب بالتغلغل فى كل مكان ويشوهون رسالة اللعبة. حتى أنهم قد يحاولون منع نقل المعرفة وتعليم لاعبى الكرة الصاعدين، ليحرموهم من إمكانية إيجاد المعلم. ونتيجة لذلك، فإن بعض هؤلاء اللاعبين لا يحققون مكانة حقيقية عندما ينضجون، بينما يفشل آخرون فى تحقيق التطور أو حتى فى إبراز إمكانياتهم الكاملة. ثم من سماء التميز يبزغ نجم فريق برشلونة الإسبانى، والذى منذ بضعة أعوام ينضم اللاعبون إليه ليجدوا الساحة معدة جيداً لهم للعب وفقاً لفكرة صارمة. وهذه المدرسة الكروية، التى اختفت فى بعض الأوقات. ببرشلونة على يد المدربين المؤيدين لطريقة لعب مختلفة، مازالت المعلم والقائد لأى طفل صغير ينضم إلى هذا النادى مما يمنحه إحساساً بالانتماء وبالقوة المهارية. وقبل عامين فقط، كان بيب جوارديولا فى الأرجنتين وكنا نتناول العشاء سوياً لوقت متأخر من الليل، ومع حلول الفجر علينا فى أجواء كروية فهمت أننى منذ سنوات طويلة لم أستمع إلى مدرب يمتلك كل هذا القدر من الرغبة وكل هذا القدر من الكفاءة وكل هذا القدر من الكاتالونية أو البرشلونية. لقد تنبأت لبرشلونة بمستقبل عظيم مع جوارديولا. فقد كان هو المدير الفنى المثالى لهذا الفريق لأنه بخلاف تميزه وعلامات تفرده الواضحة، لاحظت أنه يتمتع بالموهبة والذاكرة القوية. وبينما لا يمكن أن ننتظر من روبرتو دونادونى المدرب أن يشرك روبرتو دونادونى اللاعب فى إحدى مبارياته، فإننى أعرف أن بيب جوارديولا على الجانب الآخر كان ليختار نفسه كلاعب وأحد الأبطال الفائزين بالألقاب ليكون جزءاً من فريق برشلونة الرائع. إنه أحد الأسباب التى تساعد خريجى مدرسة المواهب المذهلة «لا ماسيا» (مدرسة كرة القدم فى برشلونة)، على التألق والإبهار مما يسفر فى النهاية عن إفراز لاعبين بارزين مثل أندريس إنييستا وتشافى وحتى ليونيل ميسى نفسه، وإذا كنتم تريدون أدلة أخرى فإن باقى القائمة تشمل كارلوس بويول وفيكتور فالديز وبيكوى (عندما لا يلعب المكسيكى ماركيز) ومعهم بوسكويتس وبويان كركيتش. وهناك حقيقة غير مسجلة وهى التعرف على الأندية الكبيرة حتى فيما بينها. فيكفيك هنا أن تلقى نظرة سريعة على الأندية الكبرى مثل مانشستر يونايتد وليفربول وتشيلسى وإنتر ميلان وآيه سى ميلان ويوفنتوس وريال مدريد. لا أتوقع أن يفوز برشلونة بكل مباراة يلعبها. فلا شك أنه ستمر عليه أيام سيجرب هو بنفسه فكرة تعاقب الأجيال بداخله. ولكنه إن عاجلاً أو آجلاً سينجح فى النهاية. فالمهم من وجهة نظرى، هو ألا تضطر أن تعانى فى كل مباراة. إن فكرة الاستمتاع بكل المباريات رائعة، أن تصل إلى الاستاد تملؤك أحلام التمتع بشغف كل المباريات، فى كل أسبوع، مع فريق يواصل ويدأب على مواصلة اللعب بطريقة رائعة. وإذا فاز برشلونة باللقب، سيكون عاماً من السعادة الكاملة. ولكن إذا ما لم ينجح فى هذا الأمر لسبب ما، فلن يسود الحزن أرجاءه كثيراً. فبرشلونة لديه ثقة هائلة فى المستقبل، المستقبل الذى يضمن إيمان هذا النادى الكاتالونى بتقديم متعة كبيرة.