كان يوم الجمعة 23 يناير هو موعد أول زياراتى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الحادية والأربعين. وقبل نزولى من المنزل بساعتين جاءنى تحذير من أحد الأصدقاء ألا أتجه للمعرض باكرا لأنه مغلق حتى الثانية ظهرا. لم أفهم فى بادئ الأمر ما الذى يغلق أبواب المعرض لنصف يوم الإجازة، وشككت أن يكون فى الأمر مزحة! لكن صديقى أزاح شكوكى جانبا وأكد صدق ما يقول مفسرا الأمر على أنه رغبة الأمن فى أن يشترى دماغه من أى مظاهرات محتملة بعد صلاة الجمعة «فقرروا يطفشوا زبائن المعرض نصف يوم كامل». فكرت أن موعد الحوار الذى سأديره مع الروائية أهداف سويف هو الثانية والنصف ظهرا. متى سيتسنى للحضور أن يأتوا ويعثروا على مكان القاعة، هذا لو افترضنا أنهم نجحوا فى دخول جنة المعرض سالمين غانمين؟! حملت خوفى معى وتوكلت على الله وتركت سيارتى بعيدا عن المعرض لتخوفى من الزحام واتجهت إلى باب 6 حسب نصيحة كاثى المسؤولة عن النشاط الثقافى فى فرع المملكة المتحدة، ضيف شرف المعرض هذا العام. فكرت «معايا واسطة مباشرة من الإنجليز» وسخرت من شعورى فى بلدى ببعض الأمان لاستنادى إلى جهة أجنبية. بإمكان أى منكم أن يتهمنى فى مصريتى، فبصراحة عنده حق. اقتربت أنا وأفكارى من سور المعرض وقبل أن أصل إلى باب 6 جاءتنى دوشة جمهرة كبيرة من الناس وقد تحولوا إلى كتلة بشرية كبيرة ومنبعجة. كلهم يتصايحون من أجل الدخول، ويظهرون ما بدا لى أنه كارنيهات صحافة أو أى كارنيهات مهمة، وعلى الناحية الأخرى ومن وراء البوابة الحديدية العملاقة يشخط فيهم رجال الأمن وقد وصل الأمر إلى التشويح بالأيدى وأحيانا الملامسة (أى الزق). طبعاً انقبض قلبى وضربت رقم كاثى فوراً، ووقفت فى هدوء أتأمل مشهدا بدا مشابها لمعابر الفلسطينيين. جاءت كاثى فانفتحت لى الأبواب فشعرت بما يشبه طعم الخيانة. أما عن داخل المعرض فكان الجو مشمسا ورائقا، وكانت أعداد الزوار ضعيفة للغاية فقد تزامن أول أسبوع للمعرض مع آخر أسبوع للفصل الدراسى الأول، وبالتالى فإن أكثر من نصف الزوار المتوقعين، وهم فئة الطلبة، غائبون. وكان حضور ندوة أهداف سويف أقل من اسمها بكثير. والحقيقة أن الحظ قد أسعدنى بالذهاب للمعرض مرات أخرى أثناء الأسبوع الأول، هذا ولم تختلف كثافة الزوار كثيرا عن أيام المعرض الأولى. حركة البيع والشراء ضعيفة ومحدودة للغاية حتى فى أجنحة الناشرين المصريين والهيئة العامة للكتاب ذات الكتب منخفضة السعر. شىء محزن للغاية أن يكون هذا هو شكل وظروف أحد أكبر معارض الكتب فى المنطقة العربية. وتساءلت بمرارة إن كان هذا الحدث مناسبا لموقع مصر على الخارطة الثقافية؟ يبدو كما لو أن المسؤولين قد قرروا أن «يلعبوا معرض» ففردوا أرفف الكتب، وأتوا بناشرين من الشرق والغرب، ثم أغلقوا فى وجه الجمهور تلك البوابات الحديدية الضخمة. الموضوع شكله معرض، لكنهم نسوا أو تناسوا أن المعرض قبل أن يكون أرففاً لعرض الكتب هو تظاهرة ثقافية. هايد بارك لمدة أسبوعين فى العام. لكن بما أن فكرة الهايد بارك هى فكرة مقلقة ومزعجة للحكومة فقد حولت كل مكان محتمل أن يكون ساحة حرية إلى مسرح خاو بلا معنى، فالجامعة أصبحت «تعالوا نلعب جامعة»، كما المعرض، كما الأحزاب السياسية والنقابات. ومما يؤكد إحكام قبضة الأمن على مسرحية معرض الكتاب فتور مواضيع الندوات وبعدها عن السياسى من ناحية، وإلغاء مقهى المثقفين الملاصق للخيمات الثقافية من ناحية أخرى. فذلك المقهى هو المكان الحاضن (سابقا) للكتاب والفنانين المصريين والعرب والناشرين الأجانب والمصريين والصحفيين، والذى يمثل بالنسبة للمثقفين فرصة سنوية كى يلتقوا بمن لن يروهم إلا مع المعرض القادم. هنيئا للأمن على مسرحية معرض الكتاب حتى لو لم يحضرها الجمهور فقد كان جهدا موفقا. والعاقبة عندكم فى المسرات.