«أكد الرئيس مبارك أننا سنمضي في خطوات الإصلاح الاقتصادي دون تردد، ومحاصرة الفقر ومساندة الطبقة الوسطي.. في ضوء هذه العبارة أجب عما يأتي: أ- قارن بين التجارة في عهد العثمانيين والتجارة في عهد محمد علي؟ ب- وضح بالأمثلة جهود الدولة في محاربة الفقر ومساندة الطبقة الوسطي؟». كان هذا هو نص السؤال السادس في امتحان نصف العام الدراسي لمادة الدراسات الاجتماعية المقررة علي طلبة الشهادة الإعدادية.. ولاشك أن واضع الامتحان أراد أن يضع اسم الرئيس في جملة مفيدة بأي شكل رغم أنها في غير محلها تماما، ولم يجرؤ مَنْ راجعه واعتمده علي تصحيح هذا الوضع الخاطئ، حتي لا يُتهم بأنه ضد النظام.. ولم يراع أي منهم أن السؤال في مادة التاريخ، وأنه لاداعي للزج باسم الرئيس في نص السؤال الذي يسأل عن التجارة في عهد العثمانيين وعهد محمد علي.. وإن كان واضع الامتحان قد أراد أن يربط بين القديم والمعاصر في التاريخ في الفقرة «ب» من السؤال، فهذا أيضا لم يكن يوجب الزج باسم الرئيس، علما بأن التاريخ المعاصر ليس مقررا علي طلبة الشهادة الإعدادية.. وقد يكون مقبولا أن يذكر ذلك كسؤال في التعبير والإنشاء ضمن امتحان اللغة العربية، ولكنه مرفوض وممجوج في مادة التاريخ.. وهل سيتحمل المصححون أن يجيب أحد الطلبة بأن الدولة لم تقدم شيئا للفقراء، وأن سياساتها كانت سببا في تلاشي الطبقة الوسطي التي كانت أحد صمامات الأمان الرئيسية للمجتمع ؟.. وماهي الإجابة النموذجية الموضوعة لهذا السؤال ؟ وهل يرسب التلميذ إذا قال رأيه بصراحة تخالف الإجابة النموذجية ؟ أم هل يفترض واضع السؤال أن التلاميذ كافة في هذه السن المبكرة جدا واعون ومقتنعون بما لايقتنع به الكبار ؟ الحقيقة أن أي امتحان يستهدف قياس مستوي الطالب ومدي استيعابه وفهمه للمادة.. ويجب أن تكون أسئلة هذا الامتحان محققة لذلك الهدف بوضوح وببساطة.. ولا أعتقد أن ذكر الرئيس مبارك في نص سؤال التاريخ بهذا الشكل سيؤدي لمعرفة مستوي الطالب بقدر ما يكشف عن مستوي القائمين علي العملية التعليمية أنفسهم.. ولو اتبعت القواعد الطبيعية المعمول بها في أي امتحان، يجب علي واضع الامتحان أن يسأل بشكل مباشر عن الفارق في التجارة بين عهدي محمد علي والعثمانيين دون اللف والدوران اللذين لا مبرر لهما. والنفاق صفة مرفوضة بأي نسبة.. ولكن حتي النفاق هنا ليس في محله علي الإطلاق.. فالرئيس مبارك الذي تتابع كاميرات التليفزيون كل نشاطه وتغطيه الصحف يوميا ليس في حاجه لذكر اسمه دون أي مبرر منطقي علي أوراق امتحان الشهادة الإعدادية بالقاهرة، ولن يسعده أبدا أن يذكر اسمه بهذه الطريقة الساذجة التي جعلت الطلاب يقرأون السؤال ويضحكون منها، ثم يخرجون من الامتحان فيمزقون الورقة ولا يتبقي إلا السخرية من السؤال ومن واضع هذا الامتحان.. ولا أعتقد أن الرئيس سيبحث عمن وضع هذا السؤال ويقرر له ترقية استثنائية في وزارة التربية والتعليم إن كان يظن ذلك حينما وضع سؤاله الكوميدي.. وقد أفترض جدلا أن المواطن واضع الامتحان مخلص في حبه للرئيس مبارك، أو أنه عضو بالحزب الوطني، ولكن مع هذا الاحتمال أو ذاك فإن امتحان الإعدادية ليس محلا لتفريغ هذا الحب أو إثبات الولاء أو إظهار الهوية الحزبية. ولا أدري هل وزارة التربية والتعليم تشترط وضع اسم الرئيس في الامتحانات بمبرر أو بدون مبرر أم لا.. ولكنني أعتقد أنه يجب علي وزير التربية والتعليم - إن كان جادا فيما يسمي بتطوير التعليم – أن يفتح تحقيقا مع واضع هذا الامتحان ومن راجعوه، وأن يعلن نتائج هذا التحقيق أمام الرأي العام ليكونوا عبرة لغيرهم ممن يريدون النفاق علي حساب العملية التعليمية، وإن لم يفعل سيكون مشاركا في الجريمة.. فالمفروض أن الوزارة تعلم النشء التربية السليمة قبل أن تدرِّس لهم المناهج العلمية.. والقيم والأخلاق هي الأساس الذي يقوم عليه ترابط المجتمع وأمنه.. وإن كان الطلاب سيتعلمون شيئا من هذا السؤال فلا بد أنه النفاق والوصولية، وهي ليست من القيم التي نريد أن يتربي أبناؤنا عليها حتي لو كان ذلك هدفا من أهداف الوزارة . هذا السؤال دليل جديد علي زيف ما يقال كل يوم عن جودة التعليم.. وكلنا نعاني من حالة التعليم في مصر، وكلنا نعلم أنه دون المستوي المطلوب لتحقيق أي تقدم أو إصلاح.. وكلنا نعرف يقينا أن التعليم في مصر غرضه الحصول علي شهادة غالبا لا تفيد صاحبها إلا في الحصول علي وظيفة بمؤهل عالٍ.. وكلنا نلجأ للدروس الخصوصية حتي نعوض القصور في العملية التعليمية سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة. وكلنا نعلم أن المدرس أبو كادر أو الذي لم يصبه الكادر مطحون ولا يستطيع الحياة الكريمة إلا بالدروس الخصوصية.. وكلنا نعلم أن المناهج معوجة في حاجة لإصلاح حقيقي وليس الإصلاح الذي يروجه لنا رجال الحزب الوطني ولا يصدقه أحد. هذا السؤال المعجزة في امتحان الإعدادية الأحد الماضي يعبر تعبيرا دقيقا وأمينًا عن التردي الواضح في حالة التعليم في مصر.. وهو واقع مؤلم يجب علينا مواجهته ورفضه.. وأنا شخصيا لا أثق في عملية تعليمية تغرس في أبناء هذا الوطن رذائل النفاق وتحط من قدر المدرس والطالب والمجتمع كله بهذا الشكل . [email protected]