عن «غزة» يقول الشاعر العظيم محمود درويش (قد ينتصر الأعداء كما ينتصر البحر الهائج على جزيرة صغيرة، وقد يقطعون كل أشجارها وقد يكسرون عظامها، وقد يزرعون الدبابات فى أحشاء أطفالها ونسائها، لكنها لن تكرر الأكاذيب، ولن تقول للغزاة نعم، وستستمر فى الانفجار، لا هو موت ولا هو انتحار، ولكنه أسلوب غزة فى إعلان جدارتها بالحياة).. وعندما نقلب صفحات قاموس الكلمات الدارجة المصرية نجد أن كلمة «عرة» بدون نقطة أو المعرة أو العار وكلها معان شعبية تعنى النقيصة والاستهانة بالشىء الذى ليس له قيمة، وكلها للأسف صفات بدت عليها الحكومات العربية فى مواجهة الأزمة الراهنة، بعد أن تمكنت إسرائيل من تخديرهم بجرعات بنج زائدة فقدوا على إثرها الحركة واستسلموا لمشرط الجراح الإسرائيلى، بعد انطلاق الشرارة الأولى للحرب، والتزموا الهمس واللمس والآهات وبالنظرات وبالصمت الرهيب، فى الوقت الذى ظل فيه رجب أردوغان محلقاً فى السماء بطائرته يحط بها بين مطارات العالم العربى يبحث لهم عن مخرج للأزمة، بينما هم جالسون «مجعوصين» فوق كراسى الحكم الوثيرة يقضمون فى أظافرهم ويدخنون النرجيلة، ويتمتعون بمشاهدة رامبو وسلفستر ستالونى يحصد أرواح أبناء غزة على شاشات التليفزيون بثقة متناهية، فقد كان أردوغان مفوضاً عن شعبه الذى رفعه عبر انتخابات حرة بدون تزوير، ولأننا فى العالم العربى لم يسبق لنا معرفة معنى إدارة الأزمات ولم يسبق لنا استعمالها فى أى كارثة محلية فقد استخدمتها إسرائيل بكفاءة عالية، وتمكنت «تسيبى ليفنى» من الضحك علشان الصورة تطلع حلوة، بينما كان وزير الخارجية ممسكاً بيدها حتى لا تقع، وابتلع الطعم ووقع فى فخ الخدعة الكبرى، ووضع مصر فى حرج بالغ بعد أن قامت فى اليوم التالى بالحرب كما سبق ووضع بيجين مصر فى حرج مشابه عندما التقى فى 1981 الرئيس السادات وقام فى اليوم التالى بضرب المفاعل النووى العراقى، لأننا للأسف لا نستفيد من التاريخ ولا الجغرافيا، ولكن الحمد لله أن النقطة الحائرة قد استقرت أخيراً فوق كلمة «عزة» وقامت المقاومة الفلسطينية بمحو معانى العرة والعار، وأظهرت مقاومة باسلة ومازالت رافعة رأس «غزة» بالعزة، أما الحكام العرب فليسمح لى شاعرنا المصرى العظيم سيد حجاب أن أستعير بعض كلماته من قصيدته الرائعة «قبل الطوفان الجاى» عندما يقول (يعنى اسمعوا.. وعوا.. شعب قاوم وقام.. أو حتلاقوه قامت قيامته وزام.. وكنس عليكم المقام). فاروق على متولى - السويس