من أعجب العلاقات الإنسانية على الإطلاق العلاقة الزوجية. توقفت كثيرًا عند حكمة الخالق العظيم فيها فازداد عجبى!! فكل العلاقات الإنسانية الأخرى تنبع منها وتصب فيها، إذا صلحت صلح سائر جوانب الحياة، وإذا فسدت - لا قدر اللّه - كانت الحياة كئيبة، وإن بدا عكس ذلك. إن السعادة تنبع من بيوتنا وتصب أينما ذهبنا، لا أقول إننا نعيش فى الجنة، ولكن استقرارنا النفسى والعاطفى، هو الذى يجعلنا نحل مشكلاتنا بحنكة، ونتعامل مع أزماتنا بحكمة. فى انتظار رسائلكم... الإحباط ورائى والزواج التعيس أمامى جاءتنى هذه الرسالة من ... مدرسة بكلية السياحة والفنادق بالإسكندرية، وهى تخص فتاة من طالباتها ولها معزة خاصة جدًا لديها.. تقول فيها: أنا فتاة عمرى 22 عامًا، أصف نفسى بالطموح الشديد، حيث كان من أحلامى، أن أكمل تعليمى حتى أرتقى بنفسى وبمستواى العلمى والاجتماعى، وبالفعل التحقت بأحد المعاهد الخاصة الصغيرة التى تدرس «سياحة وفنادق ونظم معلومات»، ولكن وقف جميع أفراد أسرتى ضدى وحالوا بينى وبين إكمال تعليمى وقالوا لى إن المصروفات التى سأنفقها فى هذا المعهد أولى بها جهازى ومستلزمات زواجى، وحاولت المقاومة وإكمال مشوار تعليمى رغم الصعوبات، ولكن لم أستطع الصمود وتركت المعهد وبقيت فى المنزل فى جحيم أهلى الذين كانوا يوكلون لى جميع أشغال المنزل دون مساعدة الآخرين على اعتبار أننى «على وش جواز» ويجب أن أجيد هذه الأعمال وأكون خبيرة فيها.. وأصبحت لا أطيق صبرًا فى انتظار العريس الذى سينتشلنى من هذا العذاب؟ وبالفعل تقدم لى عريس وراء الآخر، فاخترت أحسنهم ليس لميلى له، ولكن لأنه «أحسن الوحش» كما يقولون، حيث أننى عشت قصة حب جميلة مع أحد زملائي، ولكن أهله رفضوا ارتباطه بى للفارق الاجتماعى بيننا لصالحه، أما العريس الذى تمت خطبتى له فهو أمين شرطة، أحاول كل المحاولة وبكل إخلاص أن أميل له، ولكن لا أستطيع بكل أسف، وهو أيضًا كتركيبة وكشخصية ليس طموحًا ولكنه مملّ وغير مبدع، فهو يأخذنى كلما خرجنا سويًا لنفس الأماكن، ونقوم بنفس ما نقوم به كل مرة، نتمشى ونأكل حمص أو ترمس أو ذرة، وهو يقول نفس الكلام لا دفء ولا مشاعر: وأنا أزداد خوفًا يومًا بعد يوم وخاصة مع اقتراب موعد زفافى الذى سيحل بعد حوالى 4 أشهر.. فماذا أفعل؟ هل أتشجع وأتركه وأفسخ الخطبة وأقف أمام أهلى وقفة صلبة؟ إن حلم حياتى هو أن أكمل دراستى فى المعهد وأتخرج وأحصل على شهادة عالية وأكون امرأة عاملة، أما ما يحدث لى الآن فليس له علاقة أبدًا بما كنت أحلم به وأتمناه لنفسي.. أرجو النصح والإرشاد فى هذه النقطة الفاصلة فى حياتى. أولاً: أشكر للدكتورة الفاضلة مشاعرها الرقيقة وتعاطفها مع صاحبة المشكلة وإسهامها فى حل المشكلة بأن تطوعت وكتبتها وأرسلتها على إيميل هذا الباب. ثانيًا: بالنسبة لك يا فتاتى فإن أحداث قصتك متشابكة قليلاً، ولكن لنحاول تحليل التفاصيل ونجد لها حلاً إن شاء اللّه: لقد وصفت نفسك بأنك فتاة طموحة وتتوقين لمستقبل أفضل، فاستبشرت خيرًا حيث أن الارتقاء بمستوى التعليم هو الطريق الوحيد للفرد للارتقاء بمستواه الاجتماعي.. ولكن استوقفنى شىء آخر فى آخر الرسالة وأعتذر للقارئ العزيز أن تجاوزت بقية الأحداث لأقفز لنهاية الرسالة حين تساءلت فى آخر الرسالة هل تتركين خطيبك وتعودين لدراستك أم لا؟ يا إلهى!! فهل هناك إمكانية لك حقًا أن تظلى فى دراستك وفى معهدك؟ إن الانطباع الذى وصلنى أنك قهرت وأجبرت على ترك معهدك ولم يترك لك أهلك الخيار، ولكن فى آخر الرسالة فى حقيقة الأمر فقدت جزءًا من تعاطفى معك.. يا آنستى العزيزة، لماذا ضعفت وخضعت لرغبة ضد طموحك وضد إرادتك إذا كانت لديك القدرة على المقاومة والإصرار على رأيك خاصة إذا كان بهذا السمو.. ولكن لنعترف ونواجه أنفسنا بأنك كنت أضعف من ذلك، وجال بخاطرك وقتها أن تجربى البديل الذى يقترحه أهلك لعله يكون جيدًا أو سعيدًا، وبدأت فى استقبال العرسان فاخترت «أحسن الوحشين» على حد تعبيرك!! إذن فالمسألة ليست مسألة إجبار، ولكن تجربة آثرت خوضها للحصول على الراحة السهلة عن طريق عريس جاهز لم يأت، واخترت من اعتقدت فيه بعضًا على الأقل مما كنت تصبين إليه، وخضت التجربة بالفعل، ولكنك صدمت بأن العريس المنتظر ليس كما كنت تحلمين، ولم ينقلك النقلة الحضارية والاجتماعية التى كنت تتمنينها، وكانت هذه هى نقطة التحول فى موضوعك، وكانت هذه هى الصدمة التى أفاقتك من غفوتك، وهنا بدأ القلق يساورك، وبدأت إرادتك فى الاستيقاظ من جديد، قدر الله وما شاء فعل.. ما فات قد فات أما الآن فعودة إلى توصيف علاقتك بأهلك من ناحية وبخطيبك من ناحية أخرى، فاسمحى لى يا فتاتى أن أعترض على توصيف اشتغالك بأعمال البيت، فيا آنستى العزيزة، ماذا تفعل الفتيات والنساء فى البيت من أعمال؟ إنها تلك التى تتذمرين منها، وماذا لو كنت طبيبة أو مهندسة أو أستاذة جامعية؟ هل تعتقدين أن هذه الفئة لا تقوم بتلك الأعمال المنزلية؟ إنها لهجة الهجوم والتذمر التى شملت كل شىء فى حياتك، ولكن سياق الموضوع إذا نظرت إليه نظرة فوقية شاملة ستجدين أنه طبيعى تمامًا، فأسرتك أسرة متواضعة ماديًا، تؤثر توفير المصروفات لزواج البنت، وهذا حقها، وتولى إليك أعمال المنزل وهذا طبيعى بالنسبة لسنك ووضعك فى الأسرة وجاءك العريس الذى لم يجبرك عليه أحد وقبلت الارتباط به، واقترب زواجكما. عزيزتى، لقد أفقت بعد فوات الأوان.. أنت لست مجنيًا عليك وأنت صاحبة القرار فى موقفك هذا وليس أنا أو أى أحد آخر، فوازنى بين أمريك يا فتاتي، واستخيرى ربك، وخذى فى الاعتبار جميع معطيات حياتك وظروفك الاجتماعية، حيث أن الآن هناك طرف آخر يجب احترام مشاعره، أما إذا وجدت نفسك لا تستطيعين الارتياح له، وستكونين باستمرار متذمرة من ظروفه فلا تظلميه معك وافسخى خطبتك واستعيدى توازن نفسك وحياتك وخذى قراراتك فى اتجاه واحد ولا تتركى عينك تذهب هنا وهناك، فمهما فعلنا فلن نملك الدنيا، ولابد من الاستغناء عن شىء فى مقابل شىء آخر. وأخيرًا أقول لك وللأخريات فى عمرك أننى أنصحكن جميعًا ألا تتم أى زيجة لكن أيها الفتيات أو لكم أيها الشباب دون الارتياح والاقتناع الكاملين بشريك الحياة المستقبلي، فإن الزواج ليس نزهة، ولكنه حياة بأسرها، وفقكم اللّّه جميعًا إلى حياة زوجية مستقرة، سعيدة ومديدة بإذن اللّه. [email protected] www.hebakotb.net